بقلم : عبدالله حافيظي السباعي
باحث متخصص في الشؤون الصحراوية والموريتانية
الحاج ابراهيم الدويهي رجل من ابرز رجالات الصحراء المغربية بلا منازع … سيد اقرانه وفريد عصره … حليم ، مقدام ، متسامح وقت الشدة ، قاسي عندما تنتهك الاعراض ، غاضب عندما تمس الوحدة الوطنية المغربية ، رجل لا يخاف في قول الحق لومة لائم …
عرفته بداية الثمانينيات من القرن الماضي عندما عينت مكلفا بالدراسات بوزارة الشؤون الصحراوية وامرا بالصرف في تحقيق البرنامج التنموي الاولي في الاقاليم الصحراوية المسترجعة ، كان رجلا في مقتبل العمر بلغ اشده وسيم لا يشتكى قصر منه ولا طول ، الدنيا مقبلة عليه لان الدولة المغربية تتق فيه ثقة كاملة لانه من الرجالات الذين تعتمد عليهم في تتبيث دعائم الدولة المغربية بعد استرجاعها لجهة الصحراء …
حاز على محبة الصحراويين والمغاربة بكل مللهم ونحلهم بلا منازع … لا يحقد على احد ، لا يناور ولا يجامل ، همه الكبير هو اصلاح ذات البين ، جميع ابناء القبائل الصحراوية يحترمونه ويجلونه لانه يحترم الجميع ولا يميل الى العنصرية القبلية المقيتة ، ينأى بنفسه عن اي خلاف بين قبائل الصحراء ولا يتدخل الا من اجل اصلاح ذات البين ورأب الصدع …الشخص الوحيد الذي تجمع وتتق فيه قبيلة ازركيين ولا تعص له امرا … رجل له تاثير قوي كلمته مسموعة لدى جميع قبائل الصحراء المغربية والجميع يحترمه ولا يعصي له امرا … ساعد ابناء الصحراء لاتمام دراستهم كما انتقد بعضهم في الخروج من السجون الاسبانية والمغربية على حد سواء…
انتخب اول رئيس للمجلس الاقليمي لعمالة العيون ونائبا اولا لرئيس بلدية العيون خليهن ولد الرشيد …
ما اثار انتباهي وانا معجب اشد الاعجاب بشخصية الحاج ابراهيم والدويهي هو انه مغربي حتى النخاع في كلامه فهو لا يحدثك الا بالدراجة المغربية مع كلمات قليلة بالحسانية ، كما انه لا يرتدي الا الجلابة المغربية في اغلب الاحيان ولا يرتدي الضراعة الصحراوية الا لماما وعند الضرورة القصوى ونفس الشيء بالنسبة للبدلة الاوربية … جلاليبه من ارفع الجلابيات ثوبا وخياطة مما جعلت منه ذالك الصحراوي المعتز بمغربيته قلبا وقالبا حسى ومعنى … صحراوي اصيل بزي مغربي في قلب الصحراء المغربية …
عندما تتحدث مع الحاج ابراهيم الدويهي عن الحاضر المر الذي يعذبنا ، لابد ان يحدتك عن الماضي لاخد العبرة … يريد من وراء ذلك ربط الحاضر بالماضي وان ما تحقق في الحاضر هو نتاج تضحيات الماضي ورجالات الماضي والحاضر يجب انصافهم لان الفضل بعد الله يرجع لهم فيما تحقق وفيما ينعم به جيل الحاضر …
من خلال حديث الحاج ابراهيم الدويهي وهو حديث ذو شجون لابد ان تقتنع ان الصحراء لها رجال اشاوس ضحوا بالغالي والنفيس من اجل تحريرها من المستعمر الاسباني الغاشم …
الحاج ابراهيم الدويهي رغم نزوحه من الصحراء مرغما نحو مدينة طانطان او الرباط عندما كان برلمانيا لم تنقطع علاقته بالصحراء ، ابن مقاوم وزعيم قبيلة ازركيين المرحوم حسنا ولد الدويهي ، ناضل في صفوف حزب الاستقلال مند سنوات الخمسينيات من القرن الماضي كون مع اترابه واصدقائه ورفقائه مكاتب حزب الاستقلال في كل نواحي الصحراء ، اذكر من بينهم على سبيل المثال لا الحصر الشيخ لارباس ولد الشيخ محمد الاغظف ، الدكتور حمداتي شبيهنا ، بريكا الزروالي ، على ولد بوعيدة ، احمد الحاج اخنوش والد رئيس الحكومة المغربية حاليا ، فراجي ولد الرزمة ، سي حماد الدرهم ، فيضول الدرهم ، البشير ولد بيرة ، السلامي ولد الحبيب ، كان حسنا ولد الدويهي اول كاتب لحزب الاستقلال بالعيون ونائبه حمداتي ولد الشيخ الفضيل شبيهنا ، وابوبكر ولد الشيخ مربيه ربو وعبدالمعطي ولد بيركة وولد كويرينة وكون وترأس مكتب حزب الاستقلال بطنطان الحاج محمد يحظيه ولد بوعيدة ومكتب طرفاية ترأسه فراجي ولد الرزمة ومكتب الداخلة ترأسه سيدي احمد شكاف ومكتب السمارة ترأسه الشيخ لارباس واول معلم للغة الغربية الدكتور حمداتي ومحمد سالم ولد الليلي ودخلنا حزب الحركة الشعبية مع القائد دحمان وابنه احمد سالك …اما العبادلة ولد الشيخ محمد الاغظف فقد كان هو المفتش العام لحزب الاستقلال بالصحراء …
كان اول لقاء مع ولي العهد اناذاك مولاي الحسن بقصره بالرباط حضره من ابناء الصحراء حسنا ولد الدويهي العبادلة ، لارباس الغزاوي مدير الامن المهدي بن بركة
هذه الثلة من الرجال البررة ادوا الثمن غاليا حيث قام الاستعمار الاسباني الغاشم بسجنهم في جزيرة بنتي فنتورة بجزر الخالدات ولم يتم اطلاق سراحهم الا بعملية تبذيل بين السلطات الاسبانية والمغربية وكل هذا ذليل واضح على ان الصحراء لم تكن ارض خلاء كما يدعي البعض ضعاف العقول ….
الحاج ابراهيم الدويهي رغم مغادرته الصحراء مضطرا فلم تنقطع علاقته بها وباهله فيها ، كانت علاقته بهم مستمرة في السر والعلن ، مثل اهل الصحراء في البرلمان المغربي خلال عقد الستينيات من القرن الماضي باسم حزب الحركة الشعبية لانه كان في خصام دائم مع الاتحاديين وخاصة المهدي بن بركة الذي يجزم الحاج ابراهيم انه كان مناوئا للملكية في المغرب …
دافع الحاج ابراهيم الدويهي على حق المغرب في استرجاع صحرائه في المحافل الدولية وخاصة ردهات الامم الامم المتحدة بنيويرك ، وكان من الاوائل الذين دخلوا الصحراء بعد نجاح المسيرة الخضراء المظفرة وعايش جلاء القوات الاسبانية وترسيخ الادارة المغربية ،
كنت اقاطع الحاج براهيم الدويهي الذي كان مصرا على التحدث باسهاب عن الماضي اطلب منه التطرق الى واقع الصحراء حاليا ، والحكم الذاتي … قال لي ان واقع الصحراء المغربية حاليا لا يحتاج الى من يتحدث عنه باسهاب لان ما تحقق في مدن الصحراء من منجزات مهمة لم يتحقق في شمال المملكة وهو ما يشهد به القاصي والداني العدو والصديق والحقيقة لا يمكن اخفائها بالغربال …
عندما سألته عن خليهن ولد الرشيد قال انه يعرفه جيدا لانه كان نائبا اولا له طيلة ترأس خليهن لبلدية العيون ازيد من عقدين من الزمن ، عرفه شابا مقداما جسورا تربطه به علاقة دموية معجب بكل تصرفاته خاصة عندما جدد بيعة اجداده لملك المغرب الحسن الثاني وكانت الضربة القاضية التي فصمت ظهر البعير وارغمت اسبانيا على اعلان خروجها من الصحراء وتسليمها الى المغرب …
الحاج براهيم دويهي يريد حكما ذاتيا من واد سوس الى معبر الكركرات لان الكويرة لا زال امرها لم يحسم مع القطر الموريتاني الشقيق … حكم ذاتي يشارك فيه جميع ساكنة الجهة بدون تمييز بين صحراوي وامازغي وعروبي … انه يريد وحدة في ابهى صورها ، حكم ذاتي لاغلب جهات المغرب تنعم فيه هذه الجهات بالاستقرار والامن والامان وتتنافس على التنمية كما هو الشأن في جهات الحكم الذاتي في الجارة المملكة الاسبانية …
الحاج ابراهيم ولد حسنا ولد الدويهي يقول بان المغفور له محمد الخامس حرر المغرب ، والحسن الثاتي وحده ، ومحمد السادس بناه ، الحسن الثاني جعل يوم استوجاع واذي الذهب عطلة ويتمنى ان يجعل الملك محمد السادس من يوم تحرير معبر الكركرات عطلة …
إنني عندما اكتب عن رجالات الصحراء لا اكتب من اجل التزلف او التملق او تصفية حسابات خاصة ، وانما أورخ لرجالات يستحقون التحدث عنهم وعن اعمالهم الجليلة …
كتبت عن خليهن الغراصة الصفراء، وكتبت عن بريكا الزروالي والشيخ لارباس والحاج خطري وحسن الدرهم ونشرت ذلك في كتابي الصحراء المغربية بين المطرقة والسندان وصفحتي على الفيسبوك المتباعة من من الاف المعجبين اعتبرها صفحة خاصة بتاريخ الصحراء ورجالات الصحراء والسياسة المتبعة في الصحراء…
كما كنت ولا ازال اطالب بالاهتمام بابناء رجالات الصحراء المغربية وتمكينهم من مناصب سامية يقتفون فيها اثر اجدادهم وابائهم مصداقا لقول الشاعر العربي الاصيل ؛
تجنب بيوتا شبعت بعد جوعها
فان بقاء الجوع فيها مخمرا
وآوي بيوتا جوعت بعد شبعها
فإن كريم الاصل لا يتغير
اتمنى لرجل الخير والبركة والعزة والكرامة الحاج ابراهيم الدويهي الشفاء العاجل شفاء لا يغادر سقما ولا يبقي الما وان توليه الدولة المغربية ما يستحقه من عناية وتبجيل تقديرا لما قدمه من اعمال جليلة لصالح قضيتنا الوطنية الاولى الصحراء المغربية …
ختم الحاج ابراهيم الدويهي لقائي العفوي معه بشكر كل من اهتم به وزاره خلال مرضه وخاصة الدكتور حمداتي الذي كان ولا زال يزوره على الدوام والحاح ختار ولد الجماني واخوانه ودحمان ولد سي احماد الدرهم ، وخص بالشكر والثناء السادة ياسين المنصوري ومحمد صالح التامك والناجم البهي …
اغلى ما يامناه هو الشفاء العاجل العودة الى مدينة العيون للقاء صديقه الحميم واخيه العزيز الشيخ لارباس ولد الشيخ محمد الاغظف وتغرغرت عيناه بالدموع ولم يستطع التحكم في عواطفه وبيكينا معه نحن الحاضرين صهره الدكتور سيدنا الطرفاوي والطالب وابنه يوسف …
وحرر برباط الفتح في 31 غشت 2024