كتب رياض الفرطوسي
لازال البعض يطلق على حقبة الدكتاتور بالزمن الجميل من خلال نشر بعض الصور القديمة للشوارع والاحياء والمقاهي والمدن وهي طريقة ماكرة لمدح النظام المباد والتفاخر بمنجزاته الوهمية ولا اعرف كيف يفكر هؤلاء بإختزال مرحلة كاملة من الوحشية والدم والبشاعة وتأثرهم بمشاهد سطحية وصور ومناظر تافهة . لقد كانت المانيا في زمن هتلر دولة صناعية كبرى لكن لا احد نشر او كتب او احتفل او تغزل بالفكر النازي . الزمن الجميل الذي يطبل له هؤلاء هو الزمن الذي كان يساق فيه الناس الى حتفهم مثل الخراف ‘ اجيال ذهبت حطبا لمعارك وحروب هوجاء . هل حضر اصحاب ترويج فكرة الزمن الجميل لحفلات التعذيب والجلد والقتل والمقابر الجماعية والاعدامات حتى نالت من الاطفال وصغار السن . لماذا لم يظهر لنا اصحاب الزمن الجميل تلك المواقف البشعة حينما كانت تأتي سيارات الامن لتقتاد الابرياء الى المعتقلات لتسلخ جلودهم بالسياط والكهرباء ثم يقتلوا بطرق مختلفة من دون محاكمة او ادانة واضحة . ومن لا يعرف فأن ابطال زمن المقبور يعيشون بيننا وبعضهم لديهم مناصب متنفذة بعد ان قلبوا المعطف وغيروا جلودهم فبدل ان كانوا يتفاخرون بالعوجة وتكريت الان يتفاخرون بإنتمائهم لبعض مدن العتبات المقدسة . هل يحتفظ اصحاب الزمن الجميل بصور الجنود في كراج النهضة وهم يلتحقون بجبهات القتال والخوف والقلق يرسم على وجوههم لوحة الزمن الجميل . في الزمن الجميل تم تعطيل التفكير من خلال الارهاب والخوف والعنف وكتابة التقارير والوشاية والتربص ‘ حيث تراجعت القيم والاخلاق والضمير والوجدان . اثناء الزمن الجميل كانت سمة العصر الاستعراض والتباهي والاستهتار والتجاوز على حياة الناس وخصوصياتهم ومقدراتهم وكرامتهم . داخل الزمن الجميل كان الشباب يقضون اكثر من نصف اعمارهم في الجيش مجبرين على خوض حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل . في الزمن الجميل لهدام ( صدام ) ‘ كانت الامهات ينتظرن لسنوات على شرفات المنازل يتأملن عودة الابن الغائب من خلف قضبان المعتقلات . لا اعرف ان كان جماعة الزمن الجميل قد عاشوا زمنا اخر غير الزمن الذي عشناه ‘ ربما عالمهم يختلف عن عالمنا نحن من اكتوينا بنار الدكتاتورية وحروبها وسجونها ‘ كيف لهم بعد كل هذا التاريخ الذي اختلط فيه الحبر مع الدمع ان يمجدوا كل تلك البشاعة التي سحقت اجيالا . لقد اختلفنا في كل شي حتى في تفسير التاريخ والزمن وانقسم الناس بين من يؤيد الزمن الجميل وبين من هم ضحايا ذلك الزمن ‘ خاصة وان السلطة كانت تريد تغيير حتى التاريخ من خلال رؤية السلطة بالقوة . صحيح انه في نهاية المطاف تم اعدام الدكتاتور لكن نسق الطاغية وثقافته ما زال موجودا كعقلية وطريقة في ادارة السلطة والمجتمع . وعليه ليس كل من يطالب بالحرية والعدالة والديمقراطية والنزاهة ممكن ان يطبقها عندما يصل الى السلطة ‘ اذا لم يثقف نفسه ثقافة سياسية ولديه مشروع واضح لم يكن محصنا بمشروع فكري واضح لادارة مستقبل الدولة . كل الذين ذهبوا للسياسة بذهنية القساوسة او المحاربين وحكايات عن المزبن والنضال وارادوا ان ينقلوا تجاربهم الى السلطة فشلوا فشلا ذريعا في محاولة العبور نحو مشروع وحلم الدولة العادلة والكريمة . من يصارع الطغاة قد يقلدهم في اساليبه ما لم يكن محصنا بكفاءة وفكر ونزاهة وصدق مع الذات . زمن هدام لن يعاد لكننا بحاجة لزمن جديد تولد فيه العدالة لا الظلم ‘ والديمقراطية لا الفاشية ‘ والحقيقة لا المنفعة والزيف . انظروا الى اين انتهى بنا المطاف بسبب ذلك الزمن الجميل وسنوات الحكم القاسية وكيف تمت صناعة الانسان المسحوق ‘ ولان البديل جاء من دون مشروع دولة ما عدا الحيازة ‘ حيازة السلطة والثروة ‘ حتى انتهى بنا المطاف الى ما نحن فيه من انتشار الامية السياسية والجهل والسطحية وهذه البنية العقلية المنحرفة اخذت تأخذ شكل الممارسات اليومية في محيط كل شي فيه اصبح مكررا ومتشابها . وهذا ما جعل دعاة الزمن الجميل ينشطون ويصفقون لزمان هو ليس زماننا وانما زمانهم.
فمن المخدوع نحن ام هم؟