كتب رياض الفرطوسي
العتبة هنا تعني هامش النص ..
معظم كتاباتنا هي في حقيقتها محاكمة للعقل السياسي برؤية ثقافية ‘ وهو مجال عمل الادب حيث البحث والمراجعة والنقد وكشف الحقائق ‘ كنا وما زلنا نقول ان العقل المسؤول عن خلق المشكلة لا يمكن ان يكون سببا في حلها . ما زالت السلطة مبجلة لدى الكثير من المنتفعين منها ‘ ومن يفكر بنقدها يتهم بالانحراف والابتزاز . كيف لقيادات سياسية تطمح ان تحقق نجاحا وحضورا شعبيا من دون ان يكون لها ميول فكرية ‘ بحيث يؤسسون وحدات استشارية ‘ يأخذون على عاتقهم وضع برامج ومبادرات ورؤى جديدة ‘ بدل ان يقربون الاقرباء ( والاعداء ) لكسب ودهم ‘ ويبعدون الانقياء( والاصدقاء) واصحاب الكفاءة والموهبة والعلم معتقدين انهم ضامنين ولائهم ولن يخسرونهم . اعرف ان الوقت ليس وقت عتاب او ملامة وفات الاوان لكي نقول ان هذه الفوضى هي فوضى الاخطاء الفادحة تلك الاخطاء التي تم تمجيدها ورعايتها وفلسفتها وما زلنا نتمسك بها حتى اليوم . من واجب المنصفين وخاصة النخب ان تقول كلمتها للتاريخ ‘ لكي يبرهنوا لانفسهم ولمجتمعهم انهم قادرون على استشراف المستقبل وعلى شم رائحة الامل رغم ما يحيط بنا من خراب. الخلل الموجود في النفوس اوسع من ان ترقعه او ترممه جيوش الساسة ومطبليهم . نحن امام كارثة سياسية واجتماعية واخلاقية نتائجها اخذت تطفو على الواقع ومما يزيدها تعقيدا واتساعا غياب المفكر والمثقف ( هذا الغائب في تقاليد السياسة العراقية ) والمقصي بإرادة صريحة وواضحة . مقابل استقبال ودعم الجاهل والمتلون والواشي والمنافق والمتملق . وكل هذا الضجيج الذي نسمعه من دون اي انجاز فعلي او حقيقي ما عدا تلك الخواطر الانشائية ونشرات الاخبار التي لا تصمد طويلا امام تحديات الواقع . اصبحنا امام اكثر من حالة واكثر من واقع ‘ هناك الغاضب وهناك المحتج ‘ وتباين واضح بين لغة المواطن العادي ولغة اصحاب المناصب ‘ وبين الواقع المخفي والواقع الظاهر ‘ وتلك التباينات لن تبقى في الظلال طويلا سرعان ما تظهر اي ازمة لتفجر الاوضاع من جديد وتخرج كل تلك المتناقضات والتراكمات من قبو الصمت والخوف الغاطس في النفوس . من يعتقد ان الامور هادئة وساكنة ومستقرة والواقع الظاهري عادي هو لايدرك الا ظهور رأس جبل الجليد . من يعتقد اننا امام واقع جديد ومختلف يعاني من سطحية سياسية وعاجز عن كشف النقاب عن الاسباب الحقيقية . الحياة هي نتاج تراكمات من القرون ولا يمكن ان تظهر بشكل مباشر للعلن ‘ بل تحتاج الى مناهج ودراسات وبحث وتأمل. خرجت اوربا بعد الحرب والصراعات وانعطفت مباشرة نحو البناء والتنمية ‘ في حين خرجنا نحن من حروبنا واتجهنا للخراب والغطرسة والخلافات والتنصت على بعضنا بعضا والانتفاخ الذاتي والمرضي بعد ان تحولت السياسة الى ملجأ للانذال والمشوهين والنصابين واللصوص . اي انفجار لاي بالون سياسي او ظهور ازمة طارئة هو نوع من انواع سقوط الاقنعة وانكشاف المستور والمستتر حيث يطفح القبح للعلن. معظم التيارات السياسية الجديدة انتجت لنا شخصيات معاقة فكريا ومصابة بداء العظمة والانتفاخ وعلمتهم على فكرة الالغاء والخصومة للاخر وتحويل اي مختلف الى عدو وان هذه الامور هي جزء من مبادئهم وفي مقابل ذلك الغت العقل ورسخت مكانه فكرة التلقين الاعمى . وعندما يصلون الى السلطة والمواقع ينقلون معهم هذه العقد ونظريات التسطيح والخواء والعقول الفارغة العاجزة عن الامساك بأي حل حقيقي في عالم يعيش كل يوم تحديات كبرى . لقد عشنا ولا زلنا بين خيارين لا ثالث لهما اما ان نقبل بوصفة جاهزة او يكون البديل الفوضى . اما هذا او ذاك في حين في علم السياسة الحياة عبارة عن ابتكار وخلق وكشف وتوقع وعلم ومعرفة وسؤال وهذا ما عجزت لغتنا السياسية المدرسية من كشفه