بقلم : أستاذ ادريس بينهم
– حاصل على ماستر العلوم القانونية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال جامعة محمد الخامس الرباط
يعتبر البعض الصحافة سلطة، ويطلق عليها اسم “السلطة الرابعة” تيمنا بالسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وذلك لما تقوم به من عمل من أجل تنوير وتوعية المجتمع، بل أنها تجاوزت هذه المهام في ظل تنامي مواقع التواصل الاجتماعي واتساع رقعتها فأصبحت تشكل الرأي العام وتوجهه.
ونظرا للأهمية التي تلعبها الصحافة والحق في التعبير عموما، فقد سعت التشريعات إلى حمايتها ابتداء من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 الذي نص في المادة 19 منه على الحق في حرية التعبير التي تشمل البحث واستقبال وإرسال معلومات وأفكار عبر أي وسيط وبغض النظر عن الحدود، وهو نفس الأمر الذي أكدته المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية .
وقد سعى المشرع المغربي كذلك إلى ضمان حرية الفكر والرأي، فنص عليهما في الدستور في الباب الثاني المعنون بالحقوق والحريات وبالتحديد في الفصل 28 منه أن:” حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية. للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة…”
وأمام كل هذه الضمانات فما هي الوضعية التي تعيشها الصحافة المغربية، وما هي الإكراهات التي تواجهها وماهي السبل الكفيلة لتجاوزها؟
أولا: الإكراهات التي تواجه الصحافة المغربية
إن المتتبع للشأن المحلي الصحفي، يرصد العديد من الاختلالات والتحديات في هذا الميدان، منها ماهو هيكلي ومنها ماهو قانوني ومنها ماهو اقتصادي.
ومن أهم هذه الاختلالات بعض المواقع الالكترونية التي تسيئ لسمعة الصحافة بعد تحرير القطاع السمعي البصري من سلطة الدولة بعد إنهاء الدولة لاحتكار القطاع بإحداث الهيئة العليا للسمعي البصري سنة 2002 ، فهذه المواقع التي تعتمد على أرباح منصة “يوتوب” وبالتالي تتبع أهواء الجماهير مثل الفضائح والحياة الخاصة للمشاهير عوض اتباع محتوى هادف وخط تحرير واضح ، مما يجعل محتوى هذه الصحف بيئة خصبة لانتشار الإشاعة واستعمال مصادر غير موثوقة.
هذا بالإضافة إلى المشاكل الهيكلية التي يعاني منها القطاع مما يؤثر على قوة المقاولة الصحفية، وقد تفاقمت هذه المشاكل بإغلاق العديد من الجرائد الورقية أبوابها وتسريح العشرات من الصحفيين، إما بسبب ازدهار الصحافة الالكترونية واندثار الصحف الورقية أو بسبب المشاكل المادية بعد جائحة كورونا لهذه المقاولات الصحفية .
فأمام كل هذه التحديات والإرهاصات فقد تبوأ المغرب مرتبة متدنية في مؤشر حرية الصحافة لعام 2022 حيث بقي في نفس الرتبة منذ 2018 وهي 135 حسب منظمة مراسلون بلا حدود حيث يعكس هذا الترتيب مكانة غير مشرفة للصحافة المغربية وجب العمل على تصحيح مكامن الخلل بها خصوصا وأن المغرب حل في الرتبة 144 في نفس المؤشر لسنة 2023.
ثانيا: سبل تجاوز هذه الإكراهات
بعد التنصيص الدستوري على حرية الصحافة حاول المشرع المغربي مواكبة هذه المقتضيات من خلال إصدار قانون 11.15 المتعلق بإعادة تنظيم الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري سنة 2016 كهيأة مستقلة تسهر على احترام التعبير التعددي لتيارات الرأي والفكر والحق في المعلومة في الميدان السمعي البصري، وذلك في إطار احترام القيم الحضارية الأساسية وقوانين المملكة .
هذا بالإضافة إلى إصدار قانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر سنة 2016 وهو ماساهم في الرقي بوضعية الصحفيين بالمغرب حيث يرى رئيس المنتدى المغربي للصحفيين الشباب سامي المودني أنّ المغرب حقّق “تقدمًا على مستوى القوانين المؤطرة للصحافة والنشر، التي تضمّنت عددًا من المقتضيات الإيجابية، من قبيل النصّ على الحماية القضائية والاجتماعية للصحفيين، وحماية مصادر الخبر، وحماية الصحفيين من الاعتداءات، وكذلك أنّ منع ومصادرة الصحف أصبح بيد القضاء وليس بقرار إداري”.
ومما يؤكد هذه الصحوة الحقوقية بالمغرب العفو الملكي السامي على مجموعة من الصحفيين المعتقلين الذين اعتقلوا بسبب تدوينة أو رأي أو موقف، وذلك يومه الثلاثاء 30 يوليوز 2024 المصادف لذكرى اعتلاء الملك محمد السادس عرش المغرب، ومن بين هؤلاء الصحفيين توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني وعمر الراضي ويوسف الحيرش…
ويرى الصحفي يونس مسكين في مقاله بهذه المناسبة أن:” منحى التطور مازال إيجابيا رغم لحظات الانحدار، وأن تاريخ ملف الانتهاكات والتجاوزات التي خلفها عهد الحسن الثاني لعهد محمد السادس لن يتكرر بالضرورة”
ونحن كقانونيين وحقوقيين ومهتمين بالشأن الصحفي بالمغرب فإننا وإذ نتثمن هذه الجهود المبذولة إلا أننا نرى أن الشعرة الدقيقة بين المسموح والمحظور في العمل الصحفي بين الحق في التعبير واحترام الخصوصية، وكذا الحق في الحصول على المعلومة و واجب احترام السر المهني، كل هذه المتقابلات تحتاج إلى قانون خاص يحمي حق الصحفي في الحصول على المعلومة مع حمايته من الملفات الملفقة وتعديل نصوص القانون الجنائي المتعلقة بهذا الشأن بشكل لا يوفر إمكانية الدعاوى الكيدية والانتقامية ضد الصحفيين وجعل هذه الجرائم محددة ومفصلة من حيث الركن المادي والمعنوي.