بوجه بشوش، وأسارير منفرجة مفعمة بنصر تاريخي، أطل، باسيرو ديوماي فاي الرئيس السنغالي المنتخب ليوجه رسائله للداخل والخارج.
وما إن ظهرت المؤشرات الأولى لنتائج الانتخابات الرئاسية السنغالية، حتى اتجهت أنظار العالم إلى المعارض ديوماي فاي، الذي خرج من السجن إلى ميدان المعركة الانتخابية، ليقول مراقبون إنه أحدث “تسونامي سياسيا”، مع تحقيقه الفوز من الدورة الأولى.
والسنغال التي تتمتّع بالاستقرار، خلافا لجاراتها، تُعتبر من ركائز هذه المنطقة من غرب أفريقيا، التي هزّتها منذ 2020 انقلابات عسكرية أحدثت حالة من الاضطرابات غير المسبوقة.
فمن هو باسيرو ديوماي فاي؟
ولد المعارض ديوماي فاي بإحدى القرى الزراعية غرب السنغال عام 1980 فهو صاحب 44 عاما، كما أنه أصبح صاحب الترتيب الخامس في سلسلة رؤساء السنغال وأصغرهم سنا، ليدير بلدا يبلغ عدد سكانه 18 مليون نسمة، علما أنه لم يتولّ من قبل أي منصب رسمي سواء بالتعيين أو الانتخاب.
وحصل فاي على درجة الماجستير في القانون، بعد أن تخرج في المدرسة الوطنية للإدارة عام 2007، وانضم إلى الإدارة العامة للضرائب والممتلكات وهنا كانت نقطة التحول، إذ التقى السياسي البارز أوسمان سونكو، الذي كان يتردد على نفس النادي الرياضي معه، وكان ضمن مجموعة مفتشي ضرائب تشكلت حول المعارض.
وكان فاي حاضرا في نهاية عام 2014، عندما تأسس “حزب الوطنيين الأفارقة السنغاليين من أجل العمل والأخلاق والأخوة”، أو “الحزب الوطني السنغالي” في قاعة صغيرة بجامعة داكار، الذي ترأسه عثمان سونكو، فيما أصبح هو الأمين العام للحزب في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2022.
وكان الرئيس المنتخب هو العقل المدبر لتوسع الحزب في الخارج، لا سيما في أوروبا، إلى أن تم اعتقاله في 14 أبريل/نيسان الماضي، ووُجهت له تهم الإساءة إلى قاض، واتهامات بالتشهير والقيام بأعمال من شأنها تعريض السلام العام للخطر، لانتقاده طريقة تعامل القضاء مع ملفات أوسمان سونكو الذي منع من الترشح.
من السجن إلى الرئاسة
عام من عمره قضاه ديوماي فاي في الحبس الاحتياطي بسجن كاب مانويل في العاصمة داكار، لكنه لم يحاكم ولم توجه له أية إدانات على عكس سونكو، الذي اختاره للترشح للرئاسة ومقارعة أمادو با مرشح الائتلاف الحاكم الذي كان رئيسا للوزراء.
المفارقة أنه لم يخرج من السجن إلا بعد 6 أيام من انطلاق الحملة الانتخابية في إطار قانون عفو عام أصدره الرئيس المنتهية ولايته ماكي سال.
وكان الأمر يبدو مستحيلا، فليس أمامه إلا 10 أيام فقط من الحملة الانتخابية، لكن هذا لا يعني شيئا، فديوماي فاي، الذي استقبل بحرارة شديدة من الشارع السنغالي، لم تكن تلك الأيام بالنسبة له إلا شيئا بسيطا من شعبيته التي تغذت على سجنه، وقرارات مثيرة للجدل صدرت من الرئيس السنغالي أبرزها تأجيل الاستحقاق الرئاسي.
يمكن القول إن فاي حظي بتوليفة ضمنت له الفوز بدرجة كبيرة، فدعم قوي من سونكو والمرشح المستبعد كريم واد، والتحصن بالوجوه الشابة، كانت أمورا كفيلة باجتذاب بوصلة الغضب الشعبي تجاه النظام الحاكم لمصلحة ديوماي فاي، مستفيدا من سوء الأوضاع المعيشية وزيادة الأسعار وارتفاع معدلات البطالة، وفاقم ذلك قرار تأجيل الانتخابات.
الموقف من فرنسا
وللمرشح الفائز برئاسة السنغال، صاحب اللحية الأطول نسبيا مقارنة ببقية منافسيه، مواقف ربما لا تأتي على هوى فرنسا، صاحبة النفوذ التاريخي في بلاده، إذ كانت لديه تصريحات عدة تجتذب حماسة الشباب ضد سيطرة باريس.
أيضا شهدت حملته تأكيدات على إنهاء سيطرة عملة الفرنك الأفريقي، فرنسية الأصل، وبدلا من ذلك صك عملة سنغالية خاصة، ليس هذا فحسب، فديوماي فاي لا يميل كذلك إلى اللغة الفرنسية، بل إلى الإنجليزية، ووعد بإعادة النظر في بعض الاتفاقيات الدفاعية في إشارة إلى باريس.
إلا أنه في أول خطاب بعد الفوز، طمأن شركاء بلاده “المحترمين” بأن السنغال ستظل “الحليف الآمن والموثوق به”، واستقبل بعدها تهنئة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. عن الصحراء بلوس