كتب: رياض الفرطوسي
يعتبر الجهد الثقافي والمعرفي والسياسي موردا مهما لتجربة الانسان والبلدان ومظلة نحتمي بها من اتساع رقعة الجهل والامية في مجتمعنا . بعد سنوات الجمر والغربة والضياع كنا ننتظر ثورة فكرية وثقافية عبر طرق التغيير التي لا تمر بالصالونات العائلية او بالقبائل السياسية ‘ حلمنا ان تظهر مراكز دراسات وابحاث تراجع الحاضر والماضي ‘ تحث في البحث عن هوية خلاقة ‘ وان يكون للمثقف التنويري دورا حيويا وفاعلا لرسم خارطة طريق واضحة . الثورة التي كنا نتطلع لها هي ثورة عقلية ونسقا ذهنيا وثقافيا وطريقة حكم وادارة واعية للثروة والمؤسسات . كان العراق مشتتا الى دويلات ومدن ‘ حتى جاء سرجون الاكدي وقام بتوحيد الجنوب مع الشمال ضمن حرية المعتقد والاختلاف ‘ وكان هذا يعتبر سقفا مرتفعا بالقياس الى ما نعيشه اليوم من تراجع في واقع الريادة وانقطاع المعرفة عن منابعها نتيجة وقوعنا في خندق ضيق بحيث اصبحنا ننظر للواقع من خلال مقاييس محلية مثل السجين الذي يرى الحياة من خلال زنزانته . بدل ان نكون منفتحين على بعضنا بعضا ‘ وعلى الجهات الاربع وجالبين للمبدعين والطاقات الفكرية والعلمية من كل حدب وصوب ونحتضنهم ‘ اصبحنا قوة طاردة لكل الكفاءات والمواهب . كان العراق بلد الادباء والكتاب والشعراء فأصبح بلد عباقرة التحليل ‘ الكل يحلل على طريقته . حتى تفشت ظاهرة ببغاوات التشهير من المنجمين والمنافقين والكتبة والقوالين والمغنين النشاز وضاربي المندل وقارعي الطبول والمتسيسين والمداحين والانتهازيين . الناس تعيش في اجواء من الدوامات والهذيانات وهؤلاء يعتقدون انهم يحللون ويفكرون ويعبرون . النظام يقول لهم فكروا وعبروا كما تشاوؤن لكن في نهاية المطاف لن تستطيعيوا ان تفعلوا شيئا ( كل خريطكم ) لا يستطيع ان يصلح حنفية . بدل ان نتدبر الحياة والمستقبل من خلال التفكير الحر ‘ اصبحت نشرات الاخبار والدعايات والطقوس هي من تتحكم بصناعة مصيرنا . بنوا امية الجدد قتلوا الامل في وعي هذه الامة ‘ قتلوا الحلم ‘ قتلوا الرمز ‘ جعلوا حياتنا تتقلص الى ادنى مستوياتها بحيث لم نعد نفكر الا بالطعام والشراب والنوم كما لو اننا نعيش في غابة . لا نصل الى اعمالنا او الى بيوتنا الا ونحن في وضع التعب والقهر والحزن . ننام ونحن في حالة من الاعياء بسبب الحديث طول الوقت عن اللصوص والصفقات والمزايدات والاكاذيب ‘ نسينا الزمن ‘ والزمن قد تخطانا . الامويون الجدد مجموعة من الاميين لم يقرأوا كتبا عن السياسة والاقتصاد والفن وادارة الدولة ‘ كيف لهم ان يبنوا دولة حديثة حتى ضيعونا وضيعوا البلاد . تبقى مسؤولية الوعي الجماعي هي مسؤولية وطنية لانه لا يمكن سرقة وطن بكل ما فيه من دون ان يكون ذلك مسؤولية المسروق وليس السارق فقط . لا نعرف متى تنهض كهرمانة من فراشها لتصب الزيت المغلي على رؤوس اللصوص المختبئين في جرار الوطن قبل ان تضيع البلاد والعباد. العقل السياسي الرث والمغلق المصمم على تناوبه على السلطة الذي كرس ثقافة التجميد والاستبعاد والاستعداء هو ينهل من العقل الاجتماعي الذي يعشق المظاهر والقوة والاستحواذ والحيازة وهؤلاء جميعا يحاولون الفرار من تهمة الشراكة في ضياع هذا الوطن . الامويون القدماء قتلوا رموزنا وشتموا قادتنا من على منابرهم . اما الامويون الجدد يتمتعون بقدر كبير من الغرائزية والسطحية والتخلف وابناء مرحلة سياسية واجتماعية لا تنتج الا اصناف غبية ومنحطة.ان روح هذا الوطن هم النجباء والنزهاء وقواه الناعمة . لماذا يتم تضييعهم !؟ ربما لكي يخلو الجو للمأجورين والاذلاء والمنافقين في حكم البلاد