بقلم : البراق شادي عبد السلام
الخطاب الملكي في إفتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، يشكل لحظة إنتصار وطنية صادقة في مناسبة دستورية لها دلالاتها بحضور ممثلي و نواب الأمة المغربية حيث أكد على أولوية ملف الوحدة الترابية و مركزيته بالنسبة للمملكة حيث يمكن إعتبارالخطاب الملكي الرد الإستراتيجي المغربي على كل مناورات الخصوم و طموحاتهم التوسعية الإقليمية التي تهدد وحدته الترابية حيث كانت مضامين الخطاب حاسمة واضحة و مسؤولة في تذكير من يهمه الأمر بأن الحفاظ على قدسية الحدود المغربية و إعتبار السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية كانت و لازالت خطا أحمرا لا يمكن لأي طرف أو أي جهة كيفما كان وزنه أو وضعه المساس به أو الإقتراب منه و ذلك إما بالردع الجيوسياسي وفق الشرعية الدولية أو المسار التنموي الشامل عن طريق إطلاق مسيرة تنموية عابرة للصراعات و التجاذبات السياسية ، و النتيجة كانت إحباط مؤامرات الخصوم طوال عقود و تحول مدن و مداشر الصحراء المغربية إلى أوراش تنموية مفتوحة على جميع المستويات والمجالات و سط زخم ديبلوماسي دولي داعم لوحدة الأراضي المغربية من طنجة إلى الكويرة سواء عبر دعم مستدام لقرارات الشرعية الدولية التي تصب في هذا المجال أو عن طريق حضور سياسي و ديبلوماسي على الأرض يجسده تواجد 32 قنصلية لمختلف دول العالم في مدن الداخلة و العيون و إعتراف القوى الكبرى في العالم بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية كالولايات المتحدة الامريكية و فرنسا و إسبانيا بالإضافة إلى الدعم الدائم لشركاء المغرب في إفريقيا و العالم العربي مع الإنتكاسة الكبرى للخطاب الإنفصالي و داعميه حيث أن 164 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة لا تعترف بالكيان الوهمي الإنفصالي ، أي أن 85% من المجتمع الدولي لا يعترف به و أكثر من 112 دولة حول العالم تدعم مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، منها حوالي ثلاث أرباع الدول الإفريقية و هو الأمر الذيأكد عليه جلالته قائلا : ” عملنا لسنوات، بكل عزم وتأني، وبرؤية واضحة، واستعملنا كل الوسائل والإمكانات المتاحة، للتعريف بعدالة موقف بلادنا، وبحقوقنا التاريخية والمشروعة في صحرائنا، وذلك رغم سياق دولي صعب ومعقد. ” أنتهى الإقتباس //.
الخطاب الملكي وضع ثلاث مسارات إستراتيجية تحدد طبيعة الموقف المغربي الثابت و الراسخ من القضية الوطنية وطبيعة الميكانيزمات التي تحدد آليات الإشتغال من خلال التأكيد على أن الفاعل المؤسساتي يتحرك وفق خارطة طريق متكاملة :
المسار الأول : يتعلق بالانتقال من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير داخليا وخارجيا عن طريق تجاوز الأساليب التقليدية في إدارة القضية الوطنية، والتي غالبًا ما كانت ردود أفعال لأفعال و مؤامرات و مخططات معينة إلى رحابة التغيير الفعلي الذي يتطلب تعبئة دائمة و رؤية شاملة وتخطيطًا إستراتيجيًا لتطوير آليات الترافع وفق المستجدات الميدانية و السياسية و الديبلوماسية ، من خلال تعزيز المشاركة المجتمعية ، و إنخراط كل القوى السياسية الفاعلة في مجهودات الدولة المغربية للحفاظ على سلامة و قدسية التراب الوطني .
المسار الثاني : يتعلق بضرورة إنخراط المغرب في مبادرات هيكيلة إقليمية و قارية تتجاوز ردود الفعل و تهدف إلى توسيع التعاون الإقليمي لمحاصرة الخطاب الإنفصالي و النزعات التوسعية و الحركات الإرهابية في الجوار الإقليمي للمملكة كمشروع أنبوب الغاز المغرب – نيجيريا، ومبادرة الدول الإفريقية الأطلسية، و الأسد الإفريقي إضافة إلى مبادرة تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي حيث أن المملكة المغربية من خلال هذه المشاريع المهيكلة تقدم نفسها للمنتظم الدولي كفاعل أساسي الحفاظ على ميكانيزمات الأمن الإقليمي و القاري و إنخراط دول الإفريقية في هذه الإستراتيجية يؤكد على الموثوقية و الجدية التي يكتسبها المغرب و مبادراته بعيدا عن المزايدات السياسية و الأطماع الجيوسياسية .
فالمملكة المغربية إنتقلت إلى التنزيل الفعلي لبنود الإستراتيجية الأطلسية لدول الساحل من خلال إطلاق مشاريع هيكلية إقليمية فوق – وطنية بأبعاد تنموية و بفلسفة تضامنية فالديبلوماسية التضامنية تشكل أحد ركائز العقيدة الديبلوماسية المغربية و تستمد منطلقاتها من الرؤية الملكية المتبصرة للعمل الديبلوماسي و للسياسة الخارجية للمملكة و حضور المملكة في إفريقيا من خلال هذا البعد الإنساني مستدام من خلال العديد من المبادرات الإنسانية كبناء المستشيفات الميدانية و المشاركة في العمليات الأممية لحفظ السلام و بناء المشاريع التنموية و توزيع المساعدات الإنسانية العاجلة .
المسار الثالث : كما حدده الخطاب الملكي يتمحور حول ضرورة تطوير آليات إستباق الأحداث والتحليل الدقيق للمخاطر المحتملة من خلال تعزيز آليات اليقظة المجتمعية إزاءالمؤامرات التي تستهدف الوحدة الوطنية و التعبئة الوطنية لتعزيز الوعي لدى المواطنين بأهمية الوحدة الترابية ، بواسطة حملات توعوية وتثقيفية تعزز من قيم الإنتماء والولاء عبر الإنخراط الجدي لكل القوى الحية في المجتمع في هذه الاستراتيجيات حيث تتطلب تكاتف جهود جميع الفاعلين، بما في ذلك الدولة و مؤسساتها الإستراتيجية والمجتمع المدني، لتحقيق الأهداف المنشودة وضمان وحدة الوطن وأمنه و إستقراره و هنا فأن جلالة الملك أكد على الدور المحوري للديبلوماسية الموازية كأحد الادوات الترافعية حيث شدد جلالته على ضرورة تطوير العمل الديبلوماسي البرلماني
حيث أكد جلالته على : ” الدور الفاعل للدبلوماسية الحزبية والبرلمانية، في كسب المزيد من الاعتراف بمغربية الصحراء، وتوسيع الدعم لمبادرة الحكم الذاتي، كحل وحيد لهذا النزاع الإقليمي. لذا، ندعو إلى المزيد من التنسيق بين مجلسي البرلمان بهذا الخصوص، ووضع هياكل داخلية ملائمة، بموارد بشرية مؤهلة، مع اعتماد معايير الكفاءة والاختصاص، في اختيار الوفود، سواء في اللقاءات الثنائية، أو في المحافل الجهوية والدولية.” أنتهى الإقتباس //.
و هذا لن يتم إلا بمشاركة البرلمانيين الأكفاء و ذوي الإختصاص في الشعب الوطنية و مجموعات الصداقة و في الأيام الدراسيةو الأنشطة التي تساعدهم على فهم التوازنات الدولية و طبيعة التحديات الجيوسياسية التي تواجه المملكة و كيفية الحفاظ على المصالح العليا و صيانة الأمانة الدستورية من خلال تمكين البرلمانيين بالكفاءات اللازمة لممارسة الدبلوماسية البرلمانية بشكل فعال لكي يساهم البرلمان بفاعلية في دعم السياسة الخارجية للمملكة وتحقيق الأهداف الوطنية على المستوى الدولي حيث أن البرلماني المنخرط في جهودالديبلوماسية الموازية لزوما عليه أن يتوفر على المعرفة المتعمقة بالقضايا والمستجدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الساحة الدولية و الفهم الدقيق للمهارات التفاوضية والخطابية والتواصلية اللازمة للتعامل مع الأطراف الدولية و الإلمام بالقواعد والأعراف الدبلوماسية والبروتوكول الدولي و القدرة على التحليل الاستراتيجي وربط القضايا الداخلية بالسياق الإقليمي والدولي و المعرفة بآليات وأدوات الدبلوماسية البرلمانية المتاحة على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف و مهارات البحث والتوثيق والتواصل الفعال و هذا الأمر يتطلب وضع برامج تدريبية وتأهيلية مستمرة للبرلمانيين، بالإضافة إلى تطوير آليات للتعاون والتنسيق مع الجهات الحكومية ذات الاختصاص في مجال السياسة الخارجية ، فالديبلوماسية البرلمانية ليست فرصة للتسوق أو السياحة أو إستعراض الصور في وسائل التواصل الإجتماعي و التدوينات الركيكة ، الديبلوماسية البرلمانية هي ورش إستراتيجي و رافد مهم في الإسناد النوعي للديبلوماسية الرسمية و كافة قنواتها من أجل تعزيز علاقات المغرب الخارجية على الصعيد الإقليمي و القاري و الدولي و إيصال وجهة النظر المغربية إزاء مختلف القضايا المطروحة و الدفاع عن المصالح العليا للشعب النغربي و الترافع الجدي عن القضية الوطنية الأولى للمغاربة و هذا لن يتم وفق ننطق المحاصصة التي يغلب على توزيع العديد من المهام في لجان الصداقة البرلمانية بعيدا عن الكفاءة .
-الخطاب الملكي هو رسالة واضحة من المملكة المغربية بأن قضية الوحدة الترابية بالنسبة للمغرب في علاقاته المستقبلية و الحالية مع باقي دول العالم يحب أن تكون عابرة للمواقف و لا تتأثر بالظروف الإقليمية، ولا بالتطورات السياسية الداخلية أو التغيرات الجيوسياسية والإنتخابية للدول الشريكة و الصديقة أو تلك التي تريد الإنخراط في شراكات مستقبلية للمغرب ، الموقف من الوحدة الترابية للمملكة المغربية اليوم أصبح محوريا في السياسة الخارجية و عاملا أساسيا لطبيعة العلاقات الديبلوماسية بمختلف أشكالها للمغرب مع باقي دول العالم و على هذا الأساس فقد ثمن جلالته الموقف الفرنسي حيث أن العلاقات المغربية الفرنسية بفضل التراكم التاريخي و البعد الثقافي الذي يحضر بقوة كفاعل أساسي في إختيارات المغرب لشراكاته المستقبلية بلغت من النضج ما يؤهل البلدين لوضع إستراتيجيات واضحة المعالم تحترم رؤية كل بلد لقضاياه و ملفاته الداخلية، المملكة المغربية كدولة ديبلوماسية فاعلة إقليميا و دوليا في العديد من الملفات الأمنية و السياسية و البيئية بفضل الرؤية الملكية المتبصرة التي تحرص المؤسسات الديبلوماسية المغربية و المصالح الخارجية على تنزيلها بشكل دقيق هي اليوم حريصة على حماية قرارها السيادي بعيدا على التخندق في أجندات أوروبية لا تلائم المصالح العليا للوطن ، لذا فالمغرب إعتمد في سياسته الخارجية على خيارات ديبلوماسية صارمة و مسؤولة و وواضحة إتجاه كل القضايا التي تمس الأمن القومي للمغرب و هو ما أكد عليه جلالته قائلا : “أن هذا التطور الإيجابي، ينتصر للحق والشرعية، ويعترف بالحقوق التاريخية للمغرب، لاسيما أنه صدر عن دولة كبرى، عضو دائم بمجلس الأمن، وفاعل مؤثر في الساحة الدولية.” أنتهى الأقتباس //
الخطاب الملكي يؤسس لبراكسيس جديد لتعامل الدولة المغربية مع ملف الوحدة الترابية للمملكة المغربية في إطار تدبير المخاطر و المؤامرات التي تستهدف المملكة المغربية ،خطاب يؤسس لعقيدة جديدة للسياسة الخارجية للمملكة و على أساسها ستحدد بوصلة التوجهات الاستراتيجية للشراكات السياسية و الاقتصادية و التجارية مع جميع دول العالم ، براكسيس ينطلق من تشخيص دقيق للوضع السياسي يروم تقديم رؤية واقعية و حلول عملية و علمية تؤسس لبرامج وإستراتيجيات وجب العمل على إخراجها و تنزيلها على أرض الواقع من طرف كل الفاعلين عن طريق التعبئة و العمل الميداني لكل القوى الحية في المجتمع من اجل تجسيد صورة مشرفة للترافع المغربي على قضيته الوطنية تبرز إلتحام الشعب المغربي مع قيادتها التاريخية في معركة الوعي بالمخططات التقسيمية التي تستهدفها و يظل إلتفاف الشعب المغربي حول المؤسسة الملكية في معركة الدفاع عن الوحدة الوطنية نموذجا لنضال الشعوب من أجل الحفاظ على سيادتها و إستقلالية قرارها الوطني بعيدا على الإملاءات الأجنبية أو الرضوخ لأطماع خارجية حيث أكد جلالته : ” أن ما حققناه من مكاسب، على درب طي هذا الملف، وما تعرفه أقاليمنا الجنوبية من تنمية اقتصادية واجتماعية، كان بفضل تضامن جميع المغاربة، وتضافر جهودهم، في سبيل ترسيخ الوحدة الوطنية والترابية. ولا يفوتنا هنا، أن نشيد بالجهود التي تبذلها الدبلوماسية الوطنية، ومختلف المؤسسات المعنية، وكل القوى الحية، وجميع المغاربة الأحرار، داخل الوطن وخارجه، في الدفاع عن الحقوق المشروعة لوطنهم، والتصدي لمناورات الأعداء. “// إنتهى الإقتباس .
و الله غالب على أمره