كتب رياض الفرطوسي
بعد مضي أحد عشر شهراً من الخلافات والتوافقات بين الكتل السياسية، انتُخب محمود المشهداني رئيساً للبرلمان العراقي للمرة الثانية، مما أثار تساؤلات حول أبعاد هذا الاختيار وأثره في المشهد السياسي العراقي. يعود المشهداني إلى قبة البرلمان في مرحلة دقيقة مليئة بالتحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بينما يحاول مجلس النواب تجاوز التوترات لتحقيق الاستقرار التشريعي الذي يطمح له العراقيون.
هل يمكن للمشهداني توحيد الصفوف؟
يتكون مجلس النواب العراقي من مجموعة واسعة من الشخصيات والخلفيات المتنوعة: شيوخ قبائل، أفندية، زعماء كتل، وثوار سابقين، ليشكل المجلس صورة فسيفسائية للمجتمع العراقي. هذا التنوع يفرض على رئيس البرلمان الجديد أن يمتلك قدرة استثنائية على التوفيق بين الأطراف المختلفة، وإيجاد أرضية مشتركة للعمل، خاصة مع كثرة المصالح المتباينة والأهداف التي تتصارع تحت سقف البرلمان.
لكن، مع عودة المشهداني، يظهر السؤال الأساسي حول ما إذا كان هذا الاختيار يُعد مؤشراً لانتهاء حقبة سياسية وبدء أخرى جديدة، أم أنه مجرد تدوير للوجوه القديمة في مواقع جديدة، مما قد يعني استمرار نفس الأسلوب السياسي وتكرار نفس الأزمات. لماذا المشهداني دون غيره؟
تكمن مفارقة هذا الاختيار في كونه جاء بتوافقات ضمن إطار “الإطار التنسيقي”، وهو التجمع الأكثر عددا الذي سبق وساهم في إخراج المشهداني من منصبه سابقاً. هذا التغيير في المواقف يعكس تحولات في أولويات الكتل، ورغبتها في استعادة الثقل السياسي والتأثير في البرلمان. اختيار المشهداني يعكس رغبة من الكتل السنية في تعيين شخصية تجمع بين الصلابة والمرونة لإعادة التوازن والاعتبار لقواعدها الشعبية التي شعرت بالتهميش في الفترات الماضية.
مع عودة المشهداني للواجهة، تتساءل الأطياف السياسية عن مدى تأثير هذا التغيير على طموحات الكتل في تحقيق مكاسب وامتيازات إضافية، أم أنه سيعمل على الحد من تلك الطموحات لصالح مصلحة العراق العامة. في ظل تلك الأجواء، يُتوقع من المشهداني أن يسعى لتجاوز التركيز على المصالح الفردية وتكريس جهوده نحو إصلاحات ملموسة، وإن كان هذا الطريق محفوفاً بتحديات الضغط الشعبي المستمر.
مع اختلاف القوى السنية وتنوع توجهاتها، يبرز تحدٍ جديد للمشهداني في كيفية تمثيل مصالح هذه القوى بتوازن، دون إقصاء أو تفرد. ويأتي الإطار التنسيقي هنا كلاعب رئيسي يمتلك القدرة على توجيه السياسات وتوظيف البرلمان لتمرير القوانين التي تدعم توجهاته، مما يضع المشهداني في موقع حرج يتطلب منه الاستفادة من خبراته السابقة لإدارة البرلمان بحكمة.
إن عودة الإطار التنسيقي لدعم المشهداني قد تكون جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف لتعزيز وجود هذا التكتل في المشهد السياسي واستثماره في تمرير أجندته. كما أن الدعم المشروط للمشهداني يعكس محاولة الإطار للاستفادة من قدراته في تقليل الاحتقان السياسي وتحقيق استقرار نسبي.
إضافة إلى التحديات السياسية، تواجه العراق تحديات اقتصادية حادة تتعلق بتقلبات أسعار النفط، والتي قد تُعقّد جهود البرلمان في استقرار الوضع الاقتصادي. كما بدأت حركة شعبية معارضة في مدينة الناصرية، مما يشير إلى ضغوط جماهيرية متزايدة تتطلب من البرلمان اتخاذ مواقف حاسمة. وهذا الوضع يضع الإطار التنسيقي أمام مسؤولية دعم القرارات التي تخدم المواطنين وتحقق تطلعاتهم.
إن عودة المشهداني لرئاسة البرلمان تمثل مفصلاً مهماً في السياسة العراقية، فهو أمام اختبار حقيقي يُلزمه بإثبات قدرته على تحقيق التوازن بين القوى المختلفة وإدارة التحديات العديدة التي تواجه العراق. هل سيستطيع المشهداني تجسيد شخصيته المسيطرة، ولكن بأسلوب مختلف يتماشى مع متطلبات المرحلة؟ هل ستطرأ تغيرات على توجهاته السياسية أم ستبقى وفية للمرجعية الإسلامية التقليدية التي ينتمي إليها؟
على الرغم من أنه محسوب على الحركات الإسلامية وقريب من دول إقليمية مثل قطر وتركيا، إلا أن المرحلة المقبلة ستتطلب منه العمل على تمرير قوانين تتناسب مع أهداف الإطار التنسيقي، وتصب في صالح استقرار العراق وتلبية تطلعات شعبه.