كتب رياض الفرطوسي
يمثل اليوم ذكرى مئوية تأسيس وزارة الخارجية العراقية، المؤسسة التي حملت على عاتقها مسؤولية تمثيل العراق في المحافل الدولية، والدفاع عن مصالحه، وتعزيز مكانته بين دول العالم. في مثل هذا اليوم قبل مئة عام، بدأت الوزارة مسيرتها كأحد الأعمدة الأساسية لبناء الدولة العراقية الحديثة، لتصبح شاهدة على مراحل تطور العراق وتحدياته عبر قرن من الزمن. تأسست وزارة الخارجية العراقية عام 1924، بعد ثلاث سنوات من إعلان تأسيس المملكة العراقية عام 1921. كان الهدف الرئيسي للوزارة في تلك المرحلة هو تعزيز سيادة العراق، وبناء علاقات دبلوماسية مستقلة، وإرساء قواعد التعاون مع الدول الأخرى في ظل واقع سياسي عالمي مضطرب إثر الحرب العالمية الأولى . بدأت الوزارة عملها بموارد محدودة وكادر صغير، لكنها نجحت في وضع الأسس لدبلوماسية عراقية تستند إلى المصالح الوطنية. وقد كان للوزراء الأوائل دور كبير في ترسيخ مفهوم الدولة المستقلة ذات السيادة، رغم التحديات التي فرضها الانتداب البريطاني حينها . على مدار المئة عام الماضية، مرت وزارة الخارجية بمحطات بارزة عكست التغيرات السياسية والاجتماعية التي شهدها العراق، ومن أبرزها :
اولا . مرحلة الاستقلال (1932): بعد انضمام العراق إلى عصبة الأمم، كان للدبلوماسية العراقية دور كبير في ترسيخ مفهوم السيادة الوطنية وتعزيز مكانة العراق كدولة مستقلة.
ثانيا. الدور العربي والإقليمي (1945): انضمام العراق إلى جامعة الدول العربية وتوقيع ميثاقها جعل الوزارة محورًا في تعزيز العلاقات العربية، والمساهمة في القضايا القومية، وخاصة القضية الفلسطينية.
ثالثا . الحرب الباردة : شهدت الوزارة تغيرات كبيرة في سياساتها بما يتماشى مع التحولات السياسية العالمية والإقليمية، حيث تنقلت بين محاور متعددة للحفاظ على مصالح العراق.
رابعا . التحديات الحديثة (2003 وما بعدها): بعد سقوط النظام السابق، واجهت وزارة الخارجية تحديات هائلة في إعادة بناء العلاقات الدولية، وتأكيد سيادة العراق في ظل الظروف السياسية والأمنية المعقدة.
تستند الدبلوماسية العراقية إلى مبادئ واضحة، أهمها احترام سيادة الدول، وحل النزاعات بالطرق السلمية، وتعزيز التعاون الدولي. وخلال المئة عام الماضية، حققت وزارة الخارجية العديد من الإنجازات، منها : تعزيز العلاقات الثنائية: بناء شبكة واسعة من العلاقات مع مختلف الدول في العالم، وفتح قنوات دبلوماسية مع العديد من القوى الكبرى . الدور في المنظمات الدولية: مشاركة فعالة في الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، والمساهمة في صياغة السياسات العالمية . حل النزاعات: لعب دور محوري في الوساطة الإقليمية والمساهمة في التهدئة خلال الأزمات العربية والدولية . رغم الإنجازات التي حققتها وزارة الخارجية، فإنها واجهت ولا تزال تواجه تحديات كبيرة، مثل الصراعات الإقليمية، والتدخلات الخارجية، والحاجة إلى تعزيز دور العراق كفاعل رئيسي في المنطقة. لكن مع مرور مئة عام على تأسيسها، تبدو الفرصة سانحة لترسيخ دورها كرمز للوحدة الوطنية، وصوت العراق في العالم . في الذكرى المئوية لتأسيس وزارة الخارجية العراقية، نستذكر بإجلال الدور الذي لعبه رجال ونساء الدبلوماسية العراقية على مر العقود في تعزيز مكانة العراق الدولية. إنها لحظة للتأمل في تاريخ حافل بالإنجازات، والتطلع نحو مستقبل يحمل في طياته آمالًا بتعزيز سيادة العراق، وإعلاء صوته في المحافل الدولية، والمساهمة الفاعلة في صنع السلام والاستقرار العالمي. وزارة الخارجية العراقية ليست فقط مؤسسة حكومية، بل هي مرآة تعكس تاريخ العراق وهويته ومكانته بين الأمم، وستظل شاهدة على إرث دبلوماسي يمتد عبر قرن كام