أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال سفارتها بالرباط، تمويلا لتشجيع الاستثمار في مدينتي الداخلة والعيون بالأقاليم الجنوبية المغربية، سقفه الأعلى لكل ملف هو 500 ألف دولار أمريكي. الخطوة بدت لافتة لكون الأمر يتعلق بمشروع يرعاه البيت الأبيض برئاسة جو بايدن، وهو ما اعتُبر علامة ضمن توجهات أمريكا الاستراتيجية في نزاع الصحراء المفتعل، وتمهيدا للمزيد من المشاريع الاستثمارية المشابهة.
وتبدو الخطوة متجذرة من جهة أخرى ضمن الشراكة الاستراتيجية القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المغربية، غير أن الأكثر من ذلك أن ملاحظين أدرجوا التصور “في خانة تعبيد الطريق نحو تشييد القنصلية الأمريكية في الداخلة، التي كانت معلنة صراحة بعد القرار التاريخي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب القاضي بالاعتراف بسيادة المغرب الكاملة على صحرائه”.
“تمهيد واضح”
عبد الواحد أولاد مولود، جامعي أكاديمي مغربي، عدّ هذا “الإعلان بمثابة تأهيل للوعد الذي تقدمت به الإدارة الأمريكية بخصوص دعم الاستثمار في الأقاليم الجنوبية، منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرار الجهة الحاكمة في أمريكا القاضي بالاعتراف بسيادة المغرب الكاملة على صحرائه”، مؤكدا أن “الأمر من جهة أخرى يمثل تمهيدا لافتتاح قنصلية بمدينة الداخلة من أجل دعم وتشجيع الاستثمار ومختلف المشاريع التنموية المرتبطة بهذا الموضوع”.
قال أولاد مولود، في تصريح لهسبريس، إن “هذا المشروع يكرّس الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وينسفُ الشكوك التي ارتفعت عقبه بخصوص مدى متانته وصموده واستمراريّته رغم وصول الدّيمقراطيين إلى الحكم في بلاد العام سام. وهذا المشروع بوصفه مدعما من إدارة بايدن، فهو يقطع مع أي تأويل مازال مطروحا في هذا الصدد”، معتبرا أن “قضية القنصلية أصبحت تحتاج وقتاً فقط”.
ولفت الأكاديمي ذاته إلى “ثبات الاستراتيجية الأمريكية في بعدها الدبلوماسي والاقتصادي في ما يتعلق بتعاملها مع قضية الصّحراء، الذي يبعد أي إشارات يمكن أن ترتفع حول العودة إلى الخلف أو التراجع”، مذكرا بـ”الإشادات الأمريكية التي جلبتها الإصلاحات المغربيّة في هذه الأقاليم، خاصة في الجانب التنموي، ومن الطبيعي أن تصبح الصحراء في قلب السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في ظل ما تعيشه من تحولات”.
“دينامية جذابة”
محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، عدّ انطلاق هذا البرنامج في أهم مدينتين في الأقاليم الصحراوية “حدثا مهما”، يأتي “في سياق تكريس الصّداقة الأمريكية المغربية، وأيضا تعميق مواطن التعاطي الإيجابي من طرف الإدارة الأمريكية مع الإشعاع التنموي والاقتصادي الذي صارت تعرفه الأقاليم الصحراوية”، مبرزا وجود “مشاريع تنموية هامة وجو خصب محفّز للاستثمار”.
وأكد عبد الفتاح، في قراءة قدمها لهسبريس، أن “المبادرة الأطلسية الساعية للانفتاح على بلدان الساحل تعتبر بدورها موضوعا جيو-سياسيا مهما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وهي تسعى إلى التموقع داخل هذه المبادرة التي تتميز بالكثير من السّخاء بانفتاحها على بلدان غير ساحلية”، مؤكداً أن “الأمر يثبت حضور الإجماع في الوعي السياسي الأمريكي، خصوصاً الخارجي والديبلوماسي، حول مغربية الصحراء”، بتعبيره.
ولم يستبعد المتحدث أن “تعجل هذه الدينامية الجديدة، خصوصا هذا المشروع الرامي لدعم الاستثمار، بتشييد القنصلية الأمريكية في الداخلة”، خصوصا في ظل توفر مجموعة من السياقات السابقة كزيارة الوفد الأمريكي برئاسة عمدة مدينة هوليود، جوش ليفي، إلى مدينة العيون العام الماضي. وهذا لا شك سيُحرج الفكرة الانفصالية وسيدقّ المسمار الأخير في نعشها، لا سيما وأنها زايدت مراراً على هذا الموضوع المتصل بالاعتراف الأمريكي”. عن هيسبريس