في أواسط دجنبر من العام 2018، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بإعلان “اليوم الدولي لتعددية الأطراف والدبلوماسية من أجل السلام”، الذي يُحتفل به في 24 أبريل من كل سنة، في إطار التوعية بأهمية العمل متعدد الأطراف والدبلوماسية في تسوية النزاعات والحروب وتثبيث الأمن والاستقرار باعتبارهما شرطين أساسيين لتحقيق التنمية، إضافة إلى حل مختلف القضايا ذات الاهتمام الدولي المشترك، على غرار قضية الهجرة ومكافحة الإرهاب والتغير المناخي والأمن الغذائي.
وتعتبر المملكة المغربية من أكثر الدول انخراطا في العالم في الجهود متعددة الأطراف والجهود الدبلوماسية من أجل إحلال السلام في العديد من الفضاءات الجغرافية، مدعومة بالثقة الدولية التي اكتسبتها نتيجة تشبثها بالحياد الإيجابي في النزاعات وباحترام سيادة الدول، وهو ما جعل من المغرب دولة رائدة إقليميا ودوليا في الإلتزام الكامل بالديبلوماسية متعددة الأطراف لخدمة القضايا العادلة، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية ومختلف قضايا الأمن العالمي.
توجه دبلوماسي
قال البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، إن “رصد مفاعيل الديبلوماسية متعددة الأطراف المغربية يمكن أن يحدد لنا مجموعة من المجالات استطاع المغرب تطوير مقاربة خاصة بشأنها قادرة على حماية المصالح العليا للشعب المغربي، بحيث إن النهج الاستراتيجي متعدد الأبعاد للشراكات الفاعلة التي أقامتها المملكة في مختلف المجالات تحول إلى عنصر قوة في تدبيرها لعلاقاتها الخارجية في عالم متعددة المحاور والأقطاب وتحقيق الدبلوماسية المغربية بالتالي دينامية ملموسة على مسارات عدة”.
فعلى مستوى مكافحة الإرهاب، يوضح البراق، أن “الدبلوماسية متعددة الأطراف في المغرب تلعب دورًا هامًا في مواجهة الإرهاب، حيث يسعى المغرب لتعزيز التعاون والشراكة الدوليين في مكافحة هذه الظاهرة وتبادل المعلومات بشأنها، وتعزيز الأمن الحدودي والتعاون الأمني الدولي”.
وفي المستوى الثاني المتعلق بالهجرة، أظهر المغرب أنه “دولة رائدة على المستوى الإقليمي في تبني الاستراتيجية الوطنية للهجرة، إذ أصبح نموذجًا في تقديم العون والمساعدة للمهاجرين القادمين من الدول جنوب الصحراء من خلال تقديم الدعم الإنساني والإغاثي لهم والعمل على إدماجهم في النسيج المجتمعي”.
أما المستوى الثالث، يواصل المتحدث ذاته، فيتعلق بـ”التغيرات المناخية، إذ إن المغرب انفتح بشكل كبير على تطوير دور التغيرات المناخية في صياغة توجهه الديبلوماسي الذي يعمل بشكل دؤوب على تعزيز التعاون الدولي والإقليمي في مجال المناخ ويسعى لتحقيق التنمية المستدامة وحماية البيئة، على غرار استضافة [كوب-22] في مراكش والمشاركة في المبادرات والمنتديات الإقليمية المتعلقة بالتغير المناخي”.
وخلص البراق إلى أن “نهج المغرب تجاه عدد من القضايا من خلال دبلوماسية متعددة الأطراف فاعلة وذات تأثير، رفع من أسهمه في المشهد السياسي الدولي، وعزز من ثقة المنتظم الدولي في الرباط، وهو ما تعكسه حصيلة الترشيحات المغربية في المنظمات الدولية والإقليمية، إذ تواصل المملكة تسجيل حضورقوي وفاعل في هذه المنظمات، الأمر الذي يعزز دورها كدولة فاعلة ومسؤولة أمام المنتظم الدولي”.
جنوح إلى السلم
سعيد بركنان، محلل سياسي، قال إن “الدبلوماسية المغربية انتقلت في العقود الأخيرة من دبلوماسية رد الفعل إلى دبلوماسية فاعلة في القضايا الإقليمية والقارية وحتى الدولية، ويرجع ذلك بالأساس إلى الثقة التي اكتسبها المغرب في التعامل مع القضايا الدولية، خاصة القضايا النزاعية، سواء الدولية أو الداخلية، على غرار النزاعات التي تشهدها مجموعة من البلدان، إذ تتبنى الرباط لغة السلم والحوار والتوافق بدل لغة السلاح”.
وأضاف بركنان أن “الحياد هو أحد محددات الدبلوماسية المغربية من أجل إحلال السلام وقيادة جهود الوساطة على أساس احترام سيادة الدول، وهي المحددات التي نجحت على إثرها المملكة في الجنوح بالعديد من الملفات الكبرى في القارة الأفريقية والعالم العربي من طريق النزاع المسلح إلى طاولة الحوار، على غرار الملف الليبي الذي تمسك فيه المغرب باحترام سيادة هذا البلد والحل السلمي، وهو ما أكسبه ثقة كل الفرقاء الليبيين”.
وأوضح المصرح لهسبريس أن “المغرب يقود جهود الوساطة في الملفات الإقليمية تحت مظلة الشرعية الدولية، أي الأمم المتحدة، إذ تبني الرباط جهودها الدبلوماسية من أجل إحلال السلام على التمييز بين الشرعية وتدبير التوافق كما حصل في العديد من الملفات”، مشددا على أن “نجاح الديبلوماسية المغربية في الوساطة الدولية وحفظ السلام مبني أيضا على تراكم تجربة المغرب في علاقاته مع الدول الإقليمية والقارية، خاصة وأن الوساطة أساسها ثقة الأطراف المتنازعة”.
وخلص بركنان إلى أنه “بهذه الثقة، تدخلت الدبلوماسية المغربية في ملفات أخرى لتسوية وضعيات أمنية في كل من مالي والكونغو بعد الانقلابات العسكرية التي عرفتها هاتان الدولتان، كما تدخلت في إطلاق سراح أسرى أوروبيين كانوا محتجزين لدى جماعات إرهابية في منطقة الساحل”. عن هيسبريس