لوبوكلاج: د. مهدي عامري *
ها نحن نعود من جديد الى تيمة الذكاء الاصطناعي الذي احدث في عالم اليوم ثورة تقنية و معرفية و فلسفية كاسحة.. انها دون ريب ثورة جرافة لا تبقي و لا تذر، لان الذكاء الاصطناعي اصبح معركة الحياة و الوجود، بل اضحى القطار السريع للحاضر و نحو المستقبل.
ليست هذه مداخلة اكاديمية صرفة حول الموضوع ” نامبر وان” للعصر الجديد ..
اشارككم بالاحرى شهادة مهنية حول بعض عناصر الاجابة عن السؤال الحاسم و المهم :* ما هي حقوق الصحفيين في عالم تهيمن عليه تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ؟
قبل الاجابة عن هذا السؤال دعونا نتفق على ملاحظة بالغة الاهمية :
حاليا، يشهد العالم ثورة تقنية هائلة بفضل الذكاء الاصطناعي الذي يتغلغل في مختلف المجالات : الطب، المال، الاعمال، الصناعة، الفلاحة، الصناعات الحربية و الترفيهية و الايديولوجية..
و لعل مجال الإعلام والصحافة من المجالات الحية التي باتت تخضع ايضا لتحولات سريعة و خطيرة في ظل الثورة اللامحدودة للذكاء الاصطناعي.
فبينما تُقدم هذه التكنولوجيا فرصًا جديدة لتعزيز كفاءة العمل الصحفي و توسيع نطاقه، تُثير أيضًا مخاوف جمة بشأن حقوق الصحفيين وحريتهم في التعبير.
قبل ان نمضي قدما في شهادتنا المهنية حول هذا الموضوع ، من المهم البدء بالاجابة عن السؤال التالي :
ما أهمية الذكاء الاصطناعي في عصرنا الحالي؟
ان الذكاء الاصطناعي أصبح أكثر من موضة فكرية باعتبار انه يشغل بال الكثيرين و له تطبيقات عديدة و عجيبة في حياتنا اليومية.
دعونا نبدأ بالبداية ونعرف مفهوم الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي فرع من فروع علم الحاسوب وإحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها صناعة التكنولوجيا في العصر الحالي ويمكن تعريفه باختصار في جملة واحدة :
* قدرة الآلات والحواسيب الرقمية على القيام بمهام معينة تحاكي وتشابه تلك التي تقوم بها الكائنات الذكية.
باختصار، يعني ذلك محاكاة الآلة للإنسان في القدرة على التفكير و على التعلم من التجارب السابقة أو غيرها من العمليات.
هذا هو التعريف الدقيق والبسيط جدا لمفهوم الذكاء الاصطناعي.
و لابد أن نشير إلى أن الذكاء الاصطناعي له مجموعة من الإيجابيات، و من ضمنها ما يلي :
. أولا. الحد من الخطأ البشري لأن الحواسيب لا ترتكب أخطاء البشر إذا برمجت بشكل صحيح.. فاذا برمجت الآلات مثلا بدقة على إجراء مقابلات العمل عن بعد مع الأشخاص فذلك سوف يحد من الخطأ البشري و يسمح لنا بربح الكثير من الوقت و بلوغ أعلى و أرقى مستويات الفاعلية.
. ثانيا . الروبوتات يمكن ان تعمل طوال الوقت وعلى مدار الساعة دون الشعور بالتعب و الارهاق مثل البشر. و الإنسان طبعا في نظامه البيولوجي يحتاج الى 8 ساعات من أجل النوم، 8 ساعات مثلها أو أكثر من 10 إلى 12 ساعة من أجل العمل وكسب القوت اليومي و 8 ساعات أخرى من أجل القيام بأنشطة اجتماعية مختلفة. الآلات لديها القدرة أن تعمل 24 ساعة دون أن تقع في الخطأ، و دون أن تحس بذلك التعب والإرهاق الذي يطال البشر.
. ثالثا. هناك ميزة أخرى للذكاء الاصطناعي الا و هي المساعدة في الوظائف المتكررة : اتمتة المهام. بعبارة أخرى، بفضل الآلات و التكنولوجيات الحديثة يصبح العمل بسيطا غير معقد و تسند فيه المهام الشاقة و المتكررة الى الربوتات.
اما بالنسبة للصحفي الذي يستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي على سبيل المثال في عمله، فعوض أن يذهب لمنطقة معينة تشتعل فيها الحروب أو تضربها الفيضانات أو الزلازل أو منطقة موبوءة، فعوض أن يذهب طاقم كامل مكون من 15 صحفي لتغطية حدث ما أو الوقوف على فاجعة معينة أو أمطار طوفانية في منطقة من المناطق أو يقصد منطقة يدمرها الإرهاب، يمكن أن نرسل صحفيا واحدا مزودا بأجهزة تكنولوجية متطورة مثل الموبايلات عالية الجودة ..و في حالات أخرى قد لا نرسل صحفيا و لا هم يحزنون !… بل نرسل طائرات الدرونز من أجل تغطية الأحداث و الرجوع الينا بكمية ضخمة من البيانات.
.رابعا. يعمل الذكاء الاصطناعي على تشغيل العديد من الاختراعات في كل مجال تقريبا مما يساعد البشر على حل غالبية المشكلات، هذا يعني أن الذكاء الاصطناعي موجود الآن في جميع المجالات، موجود في التعليم، موجود في الصحافة، في الطب… و نتحدث هنا ، على سبيل المثال، عن الطب عن بعد و بفضله تجرى عمليات جراحية دقيقة على المخ و الأعصاب باستخدام الذكاء الاصطناعي و التحكم عن بعد في العمليات الجراحية الاكثر دقة و تعقيدا..
و الان سوف أكون انتقائيا وسوف أتحدث بالخصوص عن بعض تحولات الصحافة في زمن الذكاء الاصطناعي..
ان الصحفي الذي يستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي يقلص حدود الزمان و المكان في التغطيات الاخبارية، و هو سوف يعمل أقل، و اذا كان في الماضي الصحفي يحتاج الى 17 ساعة للعمل المتواصل الذي ينهك صحته فإنه الآن يحتاج الى عدد ساعات أقل خاصة في الدول المتقدمة التي توظف بشكل كبير و مكثف تقنيات و برمجيات الذكاء الاصطناعي ، و بذلك سوف يتحول العمل بالنسبة للصحفيين الى نشاط أشبه ما يكون باللعبة المسلية (و هنا أدعو من هذا المنبر المؤسسات الصحفية في المغرب و في الدول السائرة في طريق النمو إلى الاهتمام اكثر بالذكاء الاصطناعي و دمجه في العمل).
هناك بعض الاصوات التي تتعالى بنظريات المؤامرة و تقول ان الذكاء الاصطناعي ما هو الا مخطط شيطاني يراد منه تسريح العمالة علاوة على التخلص من فائض الصحفيين و العمال، و هذا امر نسبي ، رغم أن هذه سلبية من سلبيات الذكاء الاصطناعي، و أنا كخبير في الذكاء الاصطناعي أعتقد أن الايجابيات تفوق بكثير السلبيات على مستوى المردودية، لأنه سوف تتقلص ساعات العمل و سوف يصبح الصحفي بمثابة مراقب لعمل الآلات، و بالتالي سوف يكون لديه وقت اكثر لقضائه مع العائلة، ثم لتكوينه المستمر و تحسين قدراته و مهاراته التواصلية و أيضا من اجل ان يطور ادوات عمله..
دعونا الان نفتح قوسا ليس له علاقة مباشرة بموضوعنا الاساسي..
في مجال التعليم ، أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة معرفية ورقمية نعيشها في السنوات الأخيرة منذ عام 2019، وأنا اريد ان اربطها بجائحة كورونا التي تنامى فيها وتعاظم الاهتمام بالتعليم عن بعد وتلك التطبيقات التي استخدمناها كلنا، تطبيقات الدردشة والمحادثة الآنية بالصوت و الصورة، و كلها بطبيعة الحال من منتجات و مخرجات الذكاء الاصطناعي.
هذا هو التوجه العالمي الضارب بقوة، و لكنه لا يغنينا بتاتا عن حضور الأستاذ أو المدرس في قاعات الدرس، لأنه عندما تكون لديك آلات و تبرمجها فان هذه الآلات ستحاكي سلوكيات البشر و قدراتهم و تصبح هذه الآلات “ذكية” الى حد ما ، قادرة على الاستنتاج و على اتخاذ القرارات…
هنا، يجب ان نفهم ان هذه الآلات و لو أنها “ذكية” فإنها لن تعوض اطلاقا الإنسان، لأنها دون روح، و لأنها ليست انسانية، و لا تملك الملكات البشرية غير القابلة للتقليد :
. التواصل الحميمي،
. الحدس،
. القدرة على الحلم،
. التعاطف،
. تدفق المشاعر،
. الى جانب طاقة اللاوعي العظيمة التي يمتلكها الانسان و التي تجعله حتما في موقع الكرامة و الريادة بل السيادة على باقي مخلوقات هذا الكون الشاسع :
[ و لقد كرمنا بني ادم ]. صدق الله العظيم.
و هنا اعتقد انه من باب الانصاف و وضع المفاهيم على السكة الصحيحة ان نعيد التفكير في مصطلح “الذكاء الاصطناعي” الذي اسقط إسقاطًا قسريا متعسفا على الآلات و البرمجيات..
انها بالأحرى برمجة اصطناعية لأننا عندما نتحدث عن الذكاء، فإننا نشير الى الحدس و الروح، ناهيك عن الاحساس العميق الواعي و اللاواعي الذي يمتلكه الانسان، اننا هنا نتحدث عن العواطف التي تجري مثل النهر المتدفق في عقل و روح الانسان، و هذه الاخيرة ، في علمي، و الى حدود كتابة هذه السطور، لا تمتلكها الآلات..
ان الآلات تحاكي فقط الإنسان وتقلده و تتحمل ساعات العمل أكثر، لكنها دائما و ستظل تحت سيادة الإنسان..
فالإنسان هو الأصل..
من المؤكد اذا أن للذكاء الاصطناعي ايجابيات كثيرة، لكن سلبياته ايضا كثيرة تكاد لاتحصى.. و من ضمنها مثلا انه تهديد خطير و وجودي لحق الانسان في الخصوصية و الانفلات من الرقابة و التمتع بالحرية الشخصية داخل و خارج الشبكات، بعبارة اخرى : من المفروض ان الانسان يجب ان يكون حرا في اتخاذ قراراته سواء اوفلاين او اونلاين بعيدا عن دكتاتورية الخوارزميات..
ففي نظركم، كيف تنتهك التكنولوجيات الحديثة، و خاصة ربوتات الذكاء الاصطناعي حقوق الانسان ؟
في واقع الامر، قبل أن نتحدث عن انتهاك التكنولوجيات لحقوق الانسان، نبدأ و نشير في نقاط سريعة الى بعض سلبيات الذكاء الاصطناعي.
سلبيات الذكاء الاصطناعي كثيرة جدا، و من بينها :
التكلفة المرتفعة نتيجة الاحتياج إلى تحديث البرامج التي غالبا ما تحتاج للتحيين و المتابعة من اجل تلبية أحدث المتطلبات، و من اجل ان تكون دائما معاصرة ومواكبة للتكنولوجيا الحديثة.
السلبية الثانية هي ان الاعتمادية المفرطة على الذكاء الاصطناعي في العمل داخل المنازل سيجعل البشر كسالى، و هنا نشير للأتمتة التي مكنت العديد من الاشخاص من العمل داخل المنزل، في السنوات الاخيرة، و هذا أمر مفيد و سيء في الوقت ذاته، فهناك دراسات علمية و طبية حديثة تعود الى السنوات الخمس الاخيرة اثبتت ان هناك الملايين من الافراد ازدادت اوزانهم، و عانوا من البدانة، و هناك منهم من اصيب باضطرابات القلب و الدورة الدموية جراء قلة الحركة و المكوث لساعات طويلة في البيت في سياق ازمة كورونا، بل حتى ابان زمن اللايقين، اي بعد الوباء، و الى حدود اللحظة التي انهيت فيها قراءة هذه الفقرة.
السلبية الثالثة هي ان الاعتمادية المفرطة للانسان على الآلات أسهم بشكل كبير و مقلق في السنوات الاخيرة في الرفع من معدلات البطالة نتيجة تسريح العمالة. ففي الصين مثلا، عام 2020، تم تسريح ما يقارب مليون صحفي وتعويضهم بالآلات.. و هنا نتساءل عن مصير هؤلاء الصحفيين في دولة لا تحترم ادنى اسس الممارسة الديموقراطية، فهؤلاء الصحفيون الذين تم الاستغناء عن خدماتهم ليس مضمونا 100٪ انهم سيعملون سريعا في مكان آخر.
السلبية الرابعة للاستخدام غير الرشيد و اللامسؤول للذكاء الاصطناعي تتمثل في ان الآلات لا يمكن ان تطور علاقة مع البشر بالمعنى العاطفي، ان الآلات لا تحس، انها تحاكي فقط و تنجز ما برمجت عليه..
و حتى اعود للسؤال الاول حول حقوق الانسان وانتهاك الخصوصية اعطي هذا المثال…
في بعض العواصم العالمية الكبرى، مثل لندن، منذ 2019-2020، تم تثبيث قرابة 12 مليون في شارع العاصمة البريطانية من كاميرات المراقبة على مدار السنوات الخمس الاخيرة، و من المؤكد ان هذا الرقم الضخم مرشح للارتفاع في افق السنوات القليلة القادمة..
هنا، السؤال الحقيقي الذي ينبغي ان يطرح هو التالي : ما عساها ان تكون الحدود الاخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات المراقبة و التجسس ؟ و الى اي حد تؤدي البولسة المفرطة المستندة على الذكاء الاصطناعي الى تراجع الحريات المجتمعية و اغتصاب الحق في الصورة و الخصوصية ؟
تصور أنك تتجول في الشارع، تخيل انك تخرج وتذهب لقضاء فسحة من الوقت مع اصدقائك ولكنك مراقب في كل حركاتك و سكناتك، بل في كل مكان…إن كانت هذه من مفرزات الذكاء الاصطناعي، فيجب هنا اعادة طرح السؤال حول الخصوصية، و حول الحق في الحياة الشخصية وايضا الحق في وجود فضاء خاص داخل الفضاء العام.
ان هذه المراقبة – التي اصبحت موجودة و متنامية في جميع مدن و دول العالم عن طريق الكاميرات التي أصبح عددها هائلا يقاس بالملايين- تنسف خصوصية الانسان وتجعله سجينا لهذا الذكاء الاصطناعي الذي كان يعتقد الكثير من الأشخاص غير المتخصصين انه بمثابة “فردوس وردي” كله ايجابيات و أنه حاضر هنا لتحقيق الرفاهية، و لكن الحقيقة المرة و القاسية أن التكنولوجيا تسهم في استعباد هذا الانسان و في تكريس العبودية ( العبودية في العمل، في العلاقات،داخل الشركات، في المصانع…)، و هذا طبعا ان لم يتم استخدامها بالشكل المعقلن و السليم.
والان .. عزيزي الصحفي… حاول أن تتخيل معي عالما لا عمل فيه..
تخيل معي عالما ليس فيه أي تنقل و سفر لأجل العمل..
تخيل معي هذا العالم !
تخيل أنك لا تحتاج إلى أن تستيقظ في الصباح الباكر و تغادر بيتك إلى المؤسسة الاعلامية التي تشتغل فيها لأجل ان تعمل 8 أو 9 أو 10 ساعات أو أقل من ذلك او اكثر.
تخيل معي وجود هذا العالم الذي لن تضطر فيه كإنسان كادح إلى الركض وراء خبزك اليومي تلبية لاساسيات الحياة..
هذا العالم سوف تتولى فيه روبوتات الذكاء الاصطناعي مسؤولية كل الأعمال : كتابة و تحرير المقالات، انجاز التحقيقات، انجاز التغطيات الاعلامية في مناطق النزاعات و التوترات… الذكاء الاصطناعي سوف ينجز كل هذا و اكثر بشكل أوتوماتيكي…
تخيل !!!
مرحباً بك إذا في نادي الاتمتة الشاملة و الكاملة و العابرة للقارات و الدول..!
من ثمار الأتمتة و نتائجها الطيبة أن الناس.. أنت و أنا والآخرين سوف نتفرغ للحياة، و سنعيشها بطولها و عرضها.. سنستمتع بالحياة، و اعني بذلك ساعات عمل أقل، مع فائض من الوقت يتم استثماره في شتى أنشطة الترفيه : الاستجمام، اللعب، الخروج في عطلة طويلة مع الاصدقاء او العائلة.. وبذلك سوف نوفر في بنكنا الشخصي رصيدا هائلا من الوقت..
ثمة من يعتقد أن الأمر محض خيال، و أن ما أبشر به مجرد ادعاء…
أنا جزء صغير من آلاف الخبراء و الباحثين الذين يتحدثون، حول العالم، في هذا الموضوع، بكثير من الحماسة و الشغف المعرفي..
لا ابالغ.. إن الروبوتات التي تأخذ على عاتقها انجاز معظم اعمال البشر تاركة اياهم في راحة شديدة، و ربما دافعة اياهم الى تجرع مرارة الخمول و البطالة.. ان هذا المعطى الجديد ممكن جدا مع الثورة الصناعية الرابعة..
و لكن، قبل الوصول إلى هذه “الجنة الموعودة”، هناك طريق طويلة من المعاناة و المكابدة و من الأسئلة الحارقة التي طرحها أسلافنا من البشر منذ مئات بل آلاف السنين حول جدوى عملهم، و حول المجهود الذي يبذلونه كل يوم في الحقول و المزارع و المصانع..
هل هناك جدوى من انجاز كل هذه الأعمال الشاقة ؟
هل هناك بدائل تكنولوجية يمكن ان تساعدنا على توفير كل هذه المجهودات الكبيرة ؟؟
ان المهن والوظائف الجديدة التي تخلقها الثورة الصناعية الرابعة عديدة جدا بحيث لا يمكن أن نحصيها، ومع الذكاء الاصطناعي هناك احتمالية كبيرة لأن يتم تعويض نسبة 60 بالمائة إلى أكثر من هذه الأعمال البشرية، في افق الاعوام القليلة القادمة، بروبوتات قادرة على إنجاز نفس المهام الروتينية للبشر ، بل أكثر من ذلك، و هذا منذ لحظة قراءتك لهذه الكلمات، و الى حلول عام 2050.
دعونا الآن نرجع الى الوراء سبع سنوات على الأقل..
في عام 2017، أصدر مجموعة من الباحثين في جامعة أوكسفورد دراسة حول التعلم الآلي و الذكاء الاصطناعي، و ما يهمنا في هذه الدراسة هو النتائج التي خرجت بها والتي مؤداها أنه من المحتمل أن يتفوق الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري بنسبة تفوق 50 بالمائة في كافة المجالات، و ذلك خلال الست و الأربعين سنة القادمة.
وتوصلت الدراسة نفسها إلى أن الروبوتات سوف تقضي على نحو 85 مليون وظيفة في الشركات المتوسطة و كبيرة الحجم خلال السنوات السبع القادمة.
توقف معي لحظة !
هناك عدة أسئلة أخلاقية حول جدوى الاستغناء عن البشر تماما في العمل..
لناخذ مثال الصحفيين..
هل من الممكن أن تعوض الروبوتات الاعلاميين في إنجاز المهام التقنية ؟
هذا ممكن جدا، بل إننا أصبحنا نشاهد حدوثه بأم أعيننا في الايام الاخيرة.. لكن الروبوتات كما يقول الباحثون في العلوم الإنسانية، غير قادرة على امتلاك عاطفة و روح و وعي مثل الوعي الذي يمتلكه الإنسان.
إنها قادرة على إنجاز المهام التقنية ولكن هناك شكوك حول إرادتها المستقلة و حول وعيها و دوافعها الأخلاقية.
هل نجد لدى الروبوتات أخلاقيات مثل تلك التي نتحدث عنها مرارا و تكرارا تحت مسمى اخلاقيات مهنة الصحافة… ؟
هناك عدة أسئلة إيثيقية و فلسفية تطرح على هذا المستوى..
هل يمكن الاستغناء عن الصحفيين تماما في العمل، و هل يمكن تعويض جزء من العمل الذي يقوم به الاعلاميون بالروبوتات ؟
هناك الكثير من التطورات التكنولوجية حول الأتمتة، الذكاء الاصطناعي، التعلم و الكتابة الآليين، التوليد الالي الربوتي للنصوص و المواد الصحفية…. و التي تفيد الكثير من الشركات الاعلامية على نطاق واسع في العالم، و مفادها ان الروبوتات يمكن أن تعوض إلى حد كبير الاعلاميين في الكثير من المهام التقنية و التحريرية بل و حتى على مستوى السرعة في اتخاذ القرارات…
لماذا ؟
لأنها بكل بساطة سوف ترتكب أخطاء أقل و لن تحتاج لا إلى فترات راحة و لا الى فترات إجازة.. و يمكنها، علاوة على هذا، تلبية معايير الجودة المطلوبة أو أعلى من تلك التي ينتجها البشر.
الروبوت يشتغل 24 ساعة دون توقف و لا يحتاج إلى عطلة و لا يطلب ترقية ولا يطلب زيادة في الأجر… فهو صمم بشكل يجعله يعمل و يعمل و يعمل، دون كلل أو ملل.. ولكن الإنسان، دعونا نركز على الصحافي، على خلاف الروبوت، يتعب و يحتاج إلى الراحة بين الفينة و الأخرى..
إن الصحفي يعمل و لكنه يطلب الزيادة في الاجر، و يجري أيضا وراء الامتيازات و المكافآت، و يمكن أن يخوض اضرابا من أجل تحسين ظروف العمل، و يمكن له أيضا أن يمتنع عن أدائه، على خلاف الروبوتات…
تخيل معي اضرابا تقوده الروبوتات و هي تصرخ باعلى صوت : لن نعمل !
الروبوتات ترفع يافطات كبيرة و قد كتب عليها بخط عريض : كفى ! لن نعمل !
ما أود أن أقوله في الختام أنه لا ينبغي ان يكون هناك صراع بين الاعلامي و الروبوتات كما تحاول ان تروح لذلك مجموعة من نظريات المؤامرة، بما يعني أن الآلات سوف تلغي العمل الاعلامي البشري، ولكن اعتقد من موقعي كخبير دولي في الذكاء الاصطناعي أن الامثل هو فكرة التعاون و الاتحاد بين الاعلامي و الروبوتات.. و أعتقد أيضا أن هذا الإتحاد من شأنه أن يسهم في ازدهار الصحافة، و يفتح لها آفاقا واعدة في العمل و الانتاج و ذكاء المجموعات..
و ختاما، اود الاشارة الى بعض التحديات التي تواجه حقوق الصحفيين في عصر الذكاء الاصطناعي، و هي كثيرة من ضمنها
نشر المعلومات المضللة: يُمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء محتوى إخباري مزيف أو مضلل بسهولة، ممّا يُهدد مصداقية الصحافة ويُعرقل حصول الجمهور على معلومات صحيحة و موثوقة.
تحيز الخوارزميات : تُصمم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بناءً على مجموعات بيانات قد تحتوي على تحيزات عرقية مذهبية جنسية… ممّا قد يؤدي إلى نشر أخبار متحيزة أو تمييزية ضد فئات معينة من المجتمع.
فقدان الوظائف: قد تُؤدي أتمتة بعض المهام الصحفية استنادا على الذكاء الاصطناعي إلى فقدان وظائف الصحفيين، ممّا يُهدد سبل عيشهم ويُعيق حرية التعبير.
الرقابة: تُمكن تقنيات الذكاء الاصطناعي الحكومات والشركات من مراقبة الصحفيين وأنشطتهم، ممّا قد يُؤدي إلى فرض الرقابة على المحتوى الصحفي وتقييد حرية التعبير.
و الان، لعل اهم التوصيات التي يمكن ان ننهي بها حديثنا تتمحور حول آفاق حماية حقوق الصحفيين في زمن الذكاء الاصطناعي.
و هذه التوصيات تتلخص فيما يلي :
تعزيز الشفافية والمساءلة: يجب على مطوري تقنيات الذكاء الاصطناعي ومستخدميها أن يكونوا أكثر شفافية بشأن كيفية عمل هذه التقنيات، ممّا يُتيح للصحفيين والجمهور فهم مخاطرها وفوائدها بشكل أفضل.
وضع معايير أخلاقية: يجب وضع معايير أخلاقية واضحة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الصحافة، بما في ذلك ضمان احترام حرية التعبير وخصوصية الأفراد.
دعم مهارات الصحفيين: يجب على المؤسسات الإعلامية دعم الصحفيين في تطوير مهاراتهم الرقمية ومهارات التحقق من صحة المعلومات، ممّا يُساعدهم على الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول.
التعاون الدولي: يجب على المنظمات الدولية والمحلية المعنية بحقوق الإنسان وحرية التعبير تعزيز التعاون لوضع سياسات واضحة و جادة لحماية حقوق الصحفيين في زمن الذكاء الاصطناعي.
خبير الذكاء الاصطناعي
لمعهد العالي للاعلام و الاتصال، الرباط، المغرب.