بقلم: عبد الحق الريكي
عند قراءتي لجريدة “الاقتصادي” المغربية الصادرة بتاريخ 02/05/2023، لفت انتباهي مقال حول فاتح ماي 2023، الذي يخلط بين الفئات الاجتماعية والمهنية: العمال، الموظفين، الطبقة الوسطى و”البرجوازية الصغيرة”. وضع البرجوازية الصغيرة بين علامات التنصيص في المقال يثير مشكلة ويطرح سؤال تحديد هوية المجتمع المغربي.
أحد الأهداف الرئيسية لمبادرة “الجيل الأخضر” هو خلق “الطبقة الوسطى الفلاحية”، مما يثير تساؤلات. في الواقع، الحاجة إلى إنشاء هذه الطبقة في عام 2023، بعد 67 عامًا من الاستقلال، تظهر تأخرا في التطور الاجتماعي للبلاد. كيف يمكن تحديد المجتمع المغربي في هذا العصر من العولمة وتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي، في حين أن البلاد لا تزال تسعى إلى تأسيس طبقة وسطى؟
السياق التاريخي والنظري
لفهم هذه الإشكالية، من الضروري العودة إلى نظريات كارل ماركس وماكس فيبر حول تحديد المجتمعات الصناعية. ماركس وإنجلز وضعا النهج الطبقي للمجتمع، بينما طور فيبر مفهوم التراتبية الاجتماعية. قام بيير بورديو بإعادة صياغة هذه النظريات من خلال إدخال الأشكال الثلاثة لرأس المال (الاقتصادي، الاجتماعي والثقافي).
تحليلات مفكرين مثل سيمون فايل حول وضعية العمال، توكفيل حول الطبقة الوسطى، باريتو حول النخب، وليبست حول موت مفهوم الطبقة الاجتماعية تغني هذا النقاش. أشار مندراس إلى “توسيط” المجتمع، بينما تحدث لويس شوفيل عن عودة الطبقات الاجتماعية.
خصوصيات المغرب
لم تحل استقلال المغرب في عام 1956 بشكل فوري مشكلة التفاوتات الاجتماعية. ولم تبدأ الخطط لفائدة الطبقات الفقيرة إلا في خطابات الملك محمد السادس، لا سيما خطابه في 20/08/2008. في عام 2008، أجرى المندوبية السامية للتخطيط دراسة لتعريف الطبقة الوسطى في المغرب، رغم أن الأرقام والتحليلات تعرضت للانتقادات.
قدم إدريس بنعلي المغرب على شكل ساعة رملية، على النقيض من منطاد المجتمعات الصناعية، الذي يفترض وجود طبقة وسطى مركزية صاعدة. تستمر المقالات والدراسات، مثل تلك التي نشرتها مجلة “الظرفية” في 2019 والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في 2021، في محاولة تعريف هذه الطبقة الوسطى.
آفاق ونقد
قامت تحليلات معمقة بواسطة نور الدين أفايا وإدريس الجراوي في “النخبة الاقتصادية المغربية” (2009). دراستهم لتكوين النخبة المغربية باستخدام مفاهيم التراتبية والنخبوية ذات صلة. كتب أخرى مثل تلك التي لمحمد غالي برادة، بيير فيرمران، عزيز شهير، وعلي بنحدو تقدم رؤى سوسيو-سياسية وتاريخية هامة.
تفكيك ومقترحات
من الضروري تفكيك المجتمع الطبقي المغربي وفهم كيف بنت الإيديولوجيات رواية محددة تدين الأفكار اليسارية والتحليل النضالي الطبقي. يشير توماس بيكيتي إلى أن التفاوتات هي خيار سياسي وتتطلب خطابا متطورا لتبرير التنظيم الاجتماعي.
أفترض أن المغرب لم يصبح قط أمة رأسمالية أو برجوازية حديثة. بقي مجمدا في انتقال غير مكتمل من الإقطاع إلى الرأسمالية. في كتابه “المغرب ما قبل الرأسمالي”، يتساءل إدريس بنعلي لماذا لم تتطور برجوازية حاسمة كما في أوروبا الغربية.
خاتمة
بإيجاز، لم يشهد المغرب ثورته الصناعية أو السياسية اللازمة ليصبح مجتمعا رأسماليا حديثا. رغم مشاركته في فضاء رأسمالي عالمي، لم ينجح في أن يصبح أمة برجوازية مستقلة. كما أشار إدغار موران، لم يعد الأمر يتعلق بإجراء ثورة، بل بالتوجه نحو نموذج مجتمعي قادر على تجنب الكوارث وتوجيه البلاد نحو خلاص مشترك.
بقلم: عبد الحق الريكي
الرباط، الأربعاء 12 يونيو 2024