افاد حسن بوبريك، المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أن منظومة التأمين الاجتماعي والصحي لا تقصي أي مواطن مغربي، موضحا أن مسار مشروع تعميم التغطية الصحية في تقدم، حيث انتقل إجمالي عدد المؤمنين من 7 ملايين إلى 24 مليونا، موضحا أن استغلال إدارة الصندوق للإعفاءات من أداء الاشتراكات مكن من زيادة عدد الملتزمين بالأداء، خصوصا فئة العمال غير الأجراء، ليقفز عدد الملتزمين في هذا الشأن من 300 ألف مؤمن خلال دجنبر الماضي إلى 500 ألف حاليا.
يما يلي نص الحوار:
أين وصل ورش تعميم التغطية الصحية؟
كما تعرفون، فإن ورش تعميم الحماية الاجتماعية، في شقه الأول المتعلق بالتغطية الصحية، وضعت له جدولة زمنية دقيقة، حيث إن القانون الإطار الذي يتعلق بالحماية الاجتماعية كان وضع متم 2022 لإتمام إدماج العمال غير الأجراء، ونقل المستفيدين من نظام المساعدة الطبية “راميد” إلى نظام “أمو تضامن”، وقد تم احترام هذه الجدولة. وبمتم السنة ما قبل الماضية، جرى استصدار جميع المراسيم المتعلقة بالفئة الأولى، ونقل 4 ملايين مؤمنين أساسيين منذ فاتح دجنبر من السنة ذاتها ضمن النظامين المذكورين.
بالأرقام، فمنظومة التغطية الصحية، باحتساب المؤمنين الأساسيين وذوي حقوقهم، يصل عدد المغاربة المستفيدين من الأنظمة التي يدبرها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى 24 مليون مؤمن، وهو رقم مهم بالنظر إلى أن عدد المؤمنين لدى الصندوق لم يكن يتجاوز 7 ملايين، عبارة عن أجراء بالقطاع الخاص، علما أن هناك أربعة أنظمة للتغطية الصحية، تهم العمال الأجراء، وفئة العمال غير الأجراء الذين يزاولون مهنا ذاتيا، إضافة إلى “أمو” تضامن المتعلق بالأشخاص المعوزين وغير القادرين على أداء مبالغ الاشتراكات، حيث تتحمل الدولة عنهم هذه الواجبات، وأخيرا نظام “أمو الشامل” الذي تم إطلاقه في 2024، ويهم فئة غير الأجراء، الذين لم يتمكنوا من بلوغ رصيد عند التسجيل في السجل الاجتماعي الموحد يؤهلهم إلى الانخراط في “أمو تضامن”، إذ يتوجب عليهم أداء الاشتراكات عند الانخراط في النظام الجديد.
ما يمكن قوله الآن هو أن منظومة التغطية الصحية لا يمكن أن تقصي أي مواطن مغربي، إذ يمكن إدراج المؤمنين ضمن الأنظمة الأربعة المذكورة.
ما هي حصيلة إعفاء فئات معينة من مشتركي “أمو” من ديون الاشتراكات؟
الهدف من الإعفاءات هو تشجيع فئة العمال غير الأجراء على الانخراط أكثر في نظام التغطية الصحية الذي يهمهم، لأنه رغم الحملات التحسيسية وعمليات التواصل المباشرة عبر مركز النداء وبوسائل أخرى، إلا أن عدد المنخرطين الذين يؤدون مبالغ اشتراكاتهم بصفة منتظمة كان ضعيفا، إذ تراوح بين 250 ألف شخص و260 ألفا، في حين إن عدد العمال غير الأجراء يصل إلى مليون و800 ألف.
اعتمدنا عملية الإعفاء من الديون القديمة بهدف أساسي هو مساعدة المواطنين وتشجيعهم على الانخراط في نظام التأمين بشكل أكبر، فيما همت الحصيلة انخراط 230 ألف شخص، وهو رقم مهم، بالنظر إلى انتقالنا من 300 ألف شخص كانوا يؤدون اشتراكاتهم بصفة منتظمة في دجنبر الماضي، إلى 500 ألف شخص ملتزم بأداء الواجبات بانتظام. ونحن الآن نبذل مجهودات كبيرة لرفع عدد المنخرطين وحثهم على أداء واجباتهم، علما أن نظام التأمين الصحي أُعد لفائدة المغاربة والعمال غير الأجراء، بمختلف فئاتهم، حيث لم يكن عدد منهم يمتلك القدرة على تغطية تكاليف علاجه، وبلغت حالات البعض إلى مراحل كارثية، حد الاضطرار إلى بيع ممتلكاتهم والاقتراض لتمويل مصاريف العلاج.
الآن، أصبح نظام التأمين الصحي واقعا، ولا يمكن للمواطن الانتظار حتى يصاب بمرض من أجل أداء مبالغ الاشتراكات، إذ وضع القانون مجموعة من الشروط للاستفادة، أهمها وجوب أداء مبالغ اشتراك لمدة 6 أشهر، والانتظار ثلاثة أشهر أخرى قبل أن يستفيد المؤمن مجددا من خدمات التأمين، وهي الفترة التي يظل فيها المؤمن معرضا لأي طارئ على مستوى العلاج وتحمل المصاريف المرتبطة به، لذا وجب الانخراط في هذا النظام الإجباري، وسنسلك جميع المساطر الخاصة بالتحصيل، لأن النظام قائم على التضامن، باعتبار أن المؤمن السليم صحيا يساهم في علاج المصاب بمرض.
كيف يتعامل الصندوق مع تحصيل ديون اشتراكات “أمو”؟ وما تكلفة عملية التحصيل؟
تكلفة عملية التحصيل تتعلق بصفة أكثر حدة بالعمال غير الأجراء، لأن مبالغ اشتراكهم تظل صغيرة، فإذا كان المبلغ يتراوح بين 150 درهما و200 درهم، لا يمكن سلوك مسطرة مكلفة من أجل تحصيل مثل هذا المبلغ، إذ يتعين انتظار سنة أو أكثر، إلى حين ارتفاع قيمة المبالغ الواجب تحصيلها، لكي يكون ملف التحصيل مجزيا، علما أنه باللجوء إلى مسطرة التحصيل المؤقت عبر المحكمة، فالتكلفة تصل إلى ألف درهم، أي ما يفوق مبلغ الاشتراك المشار إليه.
هناك مشروع قانون صادق عليه المجلس الحكومي، وهو قيد المناقشة بمجلس المستشارين، نتمنى أن تتم المصادقة عليه خلال الدورة البرلمانية الحالية، سيتيح للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وسائل قانونية أكثر ملائمة للتحصيل، مثل تلك التي تتوفر عليها المديرية العامة للضرائب.
ما هي الصيغة القانونية التي استقر عليها الصندوق لتدبير المصحات التابعة له؟
بداية، الأمر لا يتعلق بتدبير مفوض، حيث نتجه إلى تأسيس شركة وليدة، تابعة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بصفته مساهما فيها، ستمنح لها صلاحية تدبير المصحات، وبالتالي لن نمنح التسيير لمؤسسة خارجية.
الوحدات الصحية التابعة للصندوق لعبت دورا كبيرا خلال الفترة الماضية، حين كان العرض الصحي في المغرب ضعيفا وغير كاف، إلا أن المشكل الذي كان قائما هو العجز المالي المتفاقم لهذه المصحات، إذ كان في حدود 250 مليون درهم سنويا، يتحمل كلفته النظام العام للضمان الاجتماعي الذي يغطي مبلغ العجز من ميزانيته الخاصة، لغاية تمكين هذه الفضاءات من الاستمرار. أمام هذا الوضع، اعتمدنا برنامجا للتقويم المالي، بدأ الآن يعطي ثماره، ذلك أن العجز المالي تراجع إلى أقل من 100 مليون درهم سنويا خلال فترة لم تتجاوز سنتين ونصف السنة، علما أنه عند احتساب كلفة الحوار الاجتماعي (40 مليون درهم)، يصل مبلغ العجز الحقيقي 60 مليون درهم تقريبا. ونحن نطمح خلال سنة أو سنتين إلى بلوغ مرحلة التوزان المالي.
وترتكز برنامج التقويم المالي على محاور تهم الاستثمار في التجهيزات والمرافق في الوحدات الصحية، لأن الإدارة كانت تائهة في حلقة مفرغة، باعتبار أنه في ظل العجز المالي المسجل، لم يكن المجلس الإداري يسمح بالاستثمار، وبالتالي تتقادم هذه التجهيزات بسبب عدم تجديدها وتتدهور وضعية الفضاءات الصحية، فكان لزاما علينا الخروج من هذه الوضعية، من خلال استثمار 375 مليون درهم على فترة تمتد إلى 3 سنوات، تم استثمار 200 مليون درهم بالفعل خلال السنتين الماضيتين، وخصص المبلغ لتجديد المعدات الخاصة بمختلف أنواع العلاجات، وإعادة تهيئة مرافق الاستقبال وتحسين شروط الارتفاق بها لفائدة المرضى. أما المحور الثاني، فهم الاستراتيجية الخاصة بكل مصحة على حدة، إذ تم التأكيد على أهمية بعض التخصصات وقيمتها المضافة، وكذا طبيعة العرض الطبي في منطقة ما مقارنة مع الطلب.
المحور الثالث ركز على تدبير إشراف أكثر دقة للمصحات، من خلال منح صلاحية التسيير لفرع تابع للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لسببين؛ الأول مرتبط بالإكراه التشريعي الوارد في المادة 44 من القانون المتعلق بالتأمين الإجباري الأساسي على المرض، التي تمنح تقديم المؤسسات المدبرة لأنظمة التأمين الصحي خدمات علاجية للمؤمنين. والسبب الثاني يتمثل في أن التدبير عبر شركة يتيح مرونة أكثر وفعالية على مستوى التعامل مع الطاقم الطبي وشبه الطبي، وتدبير اقتناء المعدات وغيرها من التجهيزات.
هل الوقت مناسب للحديث عن صيغة جديدة لاستثمار موارد الانخراط خارج قناة صندوق الإيداع والتدبير؟
فعلا، هو مطلب كان موضوع قرار للمجلس الإداري رفع إلى السلطات الحكومية من أجل تغيير القانون الذي يجبر النظام العام للضمان الاجتماعي على وضع جميع عائداته وفوائضه على شكل ودائع لدى صندوق الإيداع والتدبير. نحن هنا أمام مشكل يجمع طرفين، هما الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وصندوق الإيداع والتدبير، لذا يجب إيجاد حل لا يضر بمصالح أي طرف، ونستطيع القول إن نظام الضمان الاجتماعي متضرر من الوضع، بحيث لا يمكنه الولوج إلى عدد من فئات الاستثمار.
وبهذا الخصوص، لا يمكن للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي اقتناء عقارات أو أسهم. وبالتالي، على المدى البعيد، تظل عائدات الاستثمار في الأسهم والعقارات أكبير من فوائد سندات الخزينة. نحن في حوار مع صندوق الإيداع والتدبير ووزارة الاقتصاد والمالية حاليا، وأعتقد أن هناك تصورات تجعلنا نصل إلى حل يرضي الطرفين.
ما هي حصيلة المراقبة التي باشرتها مصالح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالأرقام؟
دعم جهاز المراقبة والتفتيش أولوية بالنسبة لنا، فعدد المستخدمين بهذه المصلحة انتقل من 140 موظفا في 2021 إلى 330 حاليا، ما يمثل زيادة مهمة. كما عززنا مصالح التحصيل أيضا، باعتبار ضرورة المضي في هذا الاتجاه، خصوصا تكثيف عمليات التفتيش، التي كانت أقل من 2000 عملية في 2020، لتصل إلى 8300 عملية في 2023، في أفق رفع العدد إلى 9500 عملية بنهاية السنة الجارية.
وفي إطار تقدم عملية تعميم الحماية الاجتماعي، المستندة إلى رؤية ملكية واضحة، لم يعد من المقبول عدم تصريح شركات أو أرباب عمل بأجرائهم أو أداء اشتراكات خاصة ببعض أجرائهم، على اعتبار أن هذه الاختلالات ينتج عنها في النهاية اختلال التوازنات المالية للأنظمة، ونتيجة أوخم تتمثل في ضياع حقوق العمال، على اعتبار أن عدم التصريح بعامل يحرمه من احتساب أيام في رصيد تقاعده، وكذلك الاستفادة من التعويضات العائلية والتعويض عن فقدان الشغل. إزاء هذا الوضع، سنواصل دعم مهام المراقبة والتحسيس مستقبلا.
كيف تقيمون منظومة الحكامة بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؟ وكيف تدبرون ورش الانتقال الرقمي بالصندوق؟
نحن مؤسسة عمومية يمكن تصنيفها ضمن قطاع الخدمات، توفر خدماتها لزبائن تضاعف عددهم خلال ثلاث سنوات، إذ انتقل من أقل من 8 ملايين إلى 24 مليونا، وبالتالي لا يمكن مواجهة هذا الارتفاع في أعداد المؤمنين والخدمات دون اللجوء إلى الرقمنة، لذلك سلكنا هذا التوجه في مضاعفة الاعتماد على الأنظمة المعلوماتية ثماني مرات، ورفعنا الميزانية المخصصة للاستثمار في هذا الشأن من 40 مليون درهم سنويا إلى 300 مليون درهم و400 مليون درهم، إضافة إلى اعتماد مخطط للرقمنة يمتد إلى خمس سنوات.
جل خدمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مرقمنة حاليا، بما في ذلك التعويضات العائلية والتقاعد وفقدان الشغل وغيرها من الخدمات، مما يقلص حالات لجوء الزبائن والمؤمنين إلى الوكالات المادية لغاية إنجاز معاملاتهم، إذ يمكنهم التوجه إلى بوابة “تعويضاتي” التي انطلق العمل بها منذ يوليوز من السنة الماضية، والآن نسجل مرور أكثر من 40 في المائة من طلبات النظام العام للضمان الاجتماعي عبر البوابة الإلكترونية، ما يعكس الطلب الكبير على وسائل الرقمنة، خصوصا عبر التطبيق على الهواتف الذكية، المستعمل على نطاق واسع من قبل المؤمنين. كما أطلقنا بوابة جديدة مختلفة، بخصائص تقنية جديدة، غيرت تجربة المستخدم.
وتشير الأرقام الأولى لنشاط البوابة الجديدة إلى تدفق 50 ألف زائر يوميا، ما يزيد من إصرارنا على المضي في الانتقال الرقمي، إذ سنطلق مشروعا متعلقا بتحديث مساطر تدبير التأمين على المرض، من خلال إزالة الطابع المادي عن ورقة العلاج، التي ستتحول إلى ورقة رقمية، ما يمثل ثورة في مجال خدمات التأمين الصحي.
الآن، عند زيارة المؤمن للطبيب يستفيد من ورقة علاج ووصفة طبية مكتوبة، ويجري ختمها، قبل الانتقال إلى الصيدلية واقتناء الأدوية، مع ختم الورقة من جديد وإرفاقها ببعض الوثائق لغاية إيداعها لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عبر قنوات عدة، الوكالات المادية أو مكاتب القرب، حيث تجري معالجة الوثائق من أجل صرف التعويض عن مصاريف العلاج. الوضع سيتغير مستقبلا، إذ سيمكن للطبيب ولوج البوابة والاطلاع على الرقم الاستدلالي للمريض وملء الوصفة الطبية، ليحال المريض بعد ذلك على الصيدلي، الذي يتعرف على الدواء المطلوب من خلال الرقم الخاص بالمريض، فيما يتم تحويل جميع المعلومات الخاصة بعمليات العلاج والفحص إلى الأنظمة المعلوماتية للصندوق، مما سيغني المؤمنين من تحمل تكاليف التنقل والانتظار، ويقلص آجال الاسترداد إلى أقل من 9 أيام.
كيف ستعالجون مشكل إدماج “فئة 114” في منظومة “أمو”؟
أمهل القانون المتعلق بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض بعد صدور نصوصه التنظيمية، أجل خمس سنوات لانتقال المؤمنين بالقطاع الخاص إلى نظام “أمو”، وفي ظل عدم صدور بعض هذه النصوص، تم تمديد هذه الفترة التي كان يفترض أن تنتهي في 2007 إلى غاية يومنا هذا. أقول اليوم، إنه حان الوقت من أجل تنفيذ هذا الانتقال لهذه الفئة من المواطنين لأسباب متعددة، مرتبطة برمزية الامتثال لمقتضيات القانون الإطار، الذي حدد متم 2025 تاريخا لتعميم التغطية الصحية، وتوفير التغطية الصحية نفسها لجميع المغاربة.
وبالنسبة إلى “فئة 114″، فإن التغطية الصحية التي يستفيدون منها تظل متفاوتة، في ظل وجود شركات كبرى تتيح تغطية قريبة أو أحسن من تلك التي يوفرها نظام “أمو”، لكن في المقابل هناك عدد كبير من الأجراء لا يحصلون على تغطية في المستوى المطلوب، إذ يظل سقف الاسترداد قليلا. هذا الوضع يدعونا إلى التسريع بتنفيذ الانتقال نحو نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، حتى لو تطالب الأمر تمديد الأجل سنة إضافية بعد 2025، حتى لغاية منح القطاع الخاص فرصة كي يستعد لهذه الخطوة. عن هيسبريس