كتب رياض الفرطوسي
يواجه العراق مرحلة مفصلية من التحديات والمتغيرات الدولية والمحلية، خصوصًا مع عودة الرئيس الامريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. شهدت رئاسة ترامب الأولى سياسات ترتكز على المصالح الاقتصادية وصفقات التحالفات، وتجنب التدخل العسكري المباشر. واليوم بعد عودة ترامب للسلطة، فإن العراق قد يواجه ضغوطاً جديدة تتعلق بالتجارة والطاقة والعلاقات الإقليمية، خاصة فيما يخص التعامل مع إيران. نحاول ان نستعرض أبرز هذه التحديات والمحاور والإصلاحات التي يمكن أن تساعد العراق على اجتيازها
تأثير فوز ترامب على السياسة الأمريكية تجاه العراق :
كانت سياسات ترامب في فترته الأولى تقوم على الصفقات الاقتصادية والتقليل من التدخل العسكري، مما أثر بشكل مباشر على العراق، سواء فيما يخص تقليص التواجد العسكري الأمريكي أو تعزيز الضغوط الاقتصادية. في حال عودة ترامب، قد نشهد ضغوطاً إضافية على العراق لضبط علاقاته مع إيران، بالإضافة إلى احتمال تعزيز العلاقات التجارية بشروط تميل لصالح الولايات المتحدة. ولذلك، يتوجب على العراق تعزيز علاقاته مع الدول المجاورة وتحقيق التوازن في سياسته الخارجية .
التحديات المحلية في ظل المتغيرات الدولية: ضرورة الاستعداد الداخلي:
على القادة العراقيين إدراك أن عودة ترامب تعني تغيرات استراتيجية في سياسات الولايات المتحدة، مما يتطلب استعداداً أكبر داخلياً. فتحديات العراق لا تقتصر على الجانب الخارجي فقط، بل تشمل أيضاً مشكلات داخلية كعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي. لذا، يتعين على الحكومة العراقية بناء مؤسسات وطنية قوية ومستقلة تكون قادرة على مواجهة التحديات الخارجية.
مستقبل الانتخابات العراقية: استعادة الثقة الشعبية عبر الإصلاحات:
مع تزايد الوعي السياسي للشعب العراقي وفقدان الكثيرين الثقة بالعملية السياسية، فإن على الحكومة العراقية العمل بجدية على تحقيق نزاهة الانتخابات المقبلة. يجب اتخاذ إجراءات صارمة لضمان الشفافية والنزاهة، مما يعزز من ثقة المواطنين بالنظام السياسي. نجاح الانتخابات القادمة لا يعتمد فقط على توفير ضمانات تقنية، بل أيضًا على تقديم رؤية سياسية وطنية حقيقية تعزز الأمل لدى المواطنين.
دروس من احتجاجات تشرين 2019: إرادة التغيير والحاجة إلى إصلاحات عميقة:
مثلت احتجاجات تشرين 2019 بداية مرحلة جديدة في تاريخ العراق،هذه الاحتجاجات دفعت نحو استقالة رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عادل عبد المهدي، بعد فشل الولايات المتحدة في تحقيق سيطرة دائمة على العراق عبر الوسائل العسكرية المباشرة، لجأت إلى أساليب مختلفة لاستعادة نفوذها. في البداية، طُردت القوات الأمريكية العسكرية في ديسمبر 2011 بعد مقاومة شعبية، ولاحقًا هُزمت جماعة داعش في ديسمبر 2017 على يد القوات العراقية، وتزايد استقلالية الحكومة العراقية تحت قيادة رئيس الوزراء الدكتور عادل عبد المهدي، الذي رفض التدخلات الأمريكية في عدة مواقف. في ظل هذا الواقع، استخدمت الولايات المتحدة ما يُعرف بـ “القوة الناعمة”، حيث سعت إلى استغلال استياء الشعب العراقي وتحفيز الاحتجاجات الشعبية في أكتوبر 2019 ضد الحكومة. كان الهدف من هذه الاحتجاجات إثارة اضطراب داخلي يتيح لها الفرصة للتدخل بفعالية أكبر وإعادة هيكلة الحكومة بطريقة تخدم مصالحها، معتمدةً على نقاط ضعف مثل سوء الأداء الحكومي وانتشار الفساد في مؤسسات الدولة . وقد حصل ذلك في عهد الولاية الاولى لترامب فهل يعيدها من جديد ؟ خاصة وان حالة التذمر الشعبي من قلة الخدمات وضعف البنى التحتية ما زالت قائمة .
استعداد القوى السياسية العراقية لعودة ترامب وتأثيرها على الشرق الأوسط :
السيناريوهات المطروحة بعد عودة ترامب تفرض على القوى السياسية العراقية اتخاذ تدابير استباقية لمواجهة أي ضغوط محتملة. يمكن لترامب أن يعيد توجيه سياسته نحو صفقات إقليمية قد تتطلب تنازلات من العراق. ولذلك، من المهم تعزيز سياسات الاستقلالية الوطنية وتوسيع قاعدة التحالفات الخارجية لتجنب الوقوع تحت تأثير التحالفات الضيقة التي قد لا تخدم مصالح العراق.
هل العراق دولة هشّة أمام التحديات: الأسباب وسبل المعالجة:
يعاني العراق من مشكلات هيكلية تعيق تطوره، أهمها ضعف البنية المؤسسية والاعتماد على القوى الخارجية في الشؤون الأمنية والسياسية. لتجاوز هذه العقبات، يحتاج العراق إلى تقوية مؤسساته السيادية، وتعزيز آليات الحكم الذاتي وبناء اقتصاد متماسك ومستقل. وفي هذا السياق، يمكن للعراق الاستفادة من تجارب دول مثل تركيا وماليزيا، التي استطاعت تحقيق نهضة رغم التحديات الداخلية والخارجية.
قراءة في فلسفة ترامب: النظام الرأسمالي وتأثيره على السياسة الدولية:
تتميز سياسة ترامب بفلسفة رأسمالية تجارية، تعتمد على الربح والخسارة كمعايير أساسية في اتخاذ القرارات. يُعد هذا النهج جزءاً من النظام الرأسمالي المعاصر، حيث تسيطر المصالح الاقتصادية على القرارات الدولية. في حال استمرار هذا النهج، سيكون على العراق تعزيز اقتصاده بشكل يمكنه من التفاوض بثقة وبما يخدم مصلحته في ظل نظام عالمي يعتمد على الصفقات والربح التجاري.
نحو عراق قادر على مواجهة التحديات الدولية والمحلية:
في النهاية، يظل الحل الأمثل لتجاوز التحديات الحالية والمستقبلية هو الاستثمار في الداخل العراقي عبر بناء مؤسسات ديمقراطية قوية تعتمد على القانون والسيادة، وتضمن حقوق الشعب. يجب أن يستعد العراق لمستقبلٍ مليء بالمتغيرات من خلال الاستقلالية السياسية وتحصين الاقتصاد والاعتماد على الموارد المحلية. هذا النهج، إلى جانب تنظيم انتخابات شفافة ونزيهة، سيساعد العراق على تخطي العقبات وبناء مستقبل يعكس آمال شعبه وتطلعاته في بناء دولة قادرة على حماية مصالحها والتأقلم مع المتغيرات الدولية