قراءة في التداعيات المتوقعة
كتب رياض الفرطوسي
تثير تصريحات الرئيس الأمريكي السابقة دونالد ترامب حول العراق تساؤلات كبيرة بشأن مستقبل العلاقات بين البلدين، خاصة بعد تصريحات متكررة عن اعتزامه “أخذ نفط العراق” لتعويض تكاليف الحرب. هذه المقاربة البراغماتية التي يتبناها ترامب في السياسة الخارجية تعتمد على نظرة تجارية للعلاقات الدولية، حيث يرى أن تحالفات أمريكا يجب أن تكون مربحة، وأن ما تنفقه في أي دولة يجب أن يعوضه مكاسب اقتصادية مباشرة . في واحدة من مقابلاته، صرح ترامب بأن العراق يمتلك ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم بعد السعودية، قائلاً إن تحرير العراق من صدام حسين يجب ألا يكون مجانياً، وإن على العراقيين دفع ثمن التحرير، الذي حدده بترليون ونصف دولار على الأقل. وتساءل في لهجة تهكمية حول مفهوم السيادة في بلد يراه ترامب عرضة للفوضى والنهب، ساخراً من انتقادات الصحافة التي تتهمه بالسعي للهيمنة الاقتصادية على العراق . استناداً إلى خلفيته التجارية، يتبنى ترامب سياسة خارجية تقوم على مبدأ المكسب والخسارة. فقد قضى عقوداً في بناء مشاريعه العقارية وإبرام الصفقات، مما دفعه إلى تبني فلسفة سياسية قائمة على تحقيق المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة بأكبر قدر من المكاسب وأقل قدر من التكاليف. ويبدو أن ترامب ينوي تطبيق هذا النهج على علاقاته مع العراق، حيث يسعى إلى تحقيق “أرباح” من شراكات الولايات المتحدة الدولية، ويرى أن التواجد الأمريكي في أي دولة يجب أن يكون مربحاً وليس مجرد التزام أمني أو دبلوماسي . وقد ألمحت تقارير صحفية أمريكية إلى نية ترامب بعد الدخول الى المكتب البيضاوي إلى استبدال الآلاف من موظفي الخدمة المدنية بآخرين يشاركونه رؤيته، وتطبيق تغييرات كبيرة في وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي. هذا يعكس عزمه على إعادة هيكلة الجهاز الحكومي لتقديم ولاء كامل لخططه السياسية . تطرح احتمالية زيارة ترامب للعراق، إن تمت، تحديات خاصة للحكومة العراقية، فهي ستكون أمام اختبار صعب للموازنة بين الحفاظ على علاقات إيجابية مع الولايات المتحدة من جهة، واحتواء الاحتجاجات الشعبية المحتملة التي قد تندد بالزيارة من جهة أخرى. قد تختار الحكومة العراقية في هذه الحالة التنسيق مع الجانب الأمريكي لضمان أن تكون الزيارة قصيرة ودون مظاهر سياسية قد تُفسر كاستعراض أمريكي للنفوذ داخل العراق . من جهة أخرى، فإن زيارة كهذه ستضع الحكومة العراقية أمام ضغوط سياسية شديدة من أطراف معارضة، حيث قد يُنظر إلى الزيارة كإثبات للنفوذ الأمريكي المستمر. وقد تكون استجابة الحكومة العراقية بتحقيق نوع من التوازن بين التزاماتها تجاه الولايات المتحدة ومطالب الشارع العراقي الرافض لأي تدخل خارجي . من الناحية الأمنية، يمكن أن يؤدي حضور ترامب إلى العراق إلى توترات حادة، خاصةً في ظل احتمالية اندلاع احتجاجات شعبية قد تكون مصحوبة بأحداث عنف تعبر عن رفض للوجود الأمريكي المباشر أو النفوذ المتزايد. وقد تجد الحكومة العراقية نفسها مضطرة إلى اتخاذ إجراءات أمنية صارمة لضمان عدم انزلاق الأوضاع إلى مواجهات محتملة . ليس هناك شك أن تأثيرات فوز ترامب ستطال أبعاداً متعددة في العراق، قد يكون أهمها الجانب الاقتصادي. فقد يسعى ترامب إلى فرض صفقات اقتصادية تخدم المصالح الأمريكية بشكل مباشر، مثل السماح للشركات الأمريكية بالتوسع في استثمارات النفط والغاز. هذا قد يتضمن شروطاً جديدة على التعاون الأمني والعسكري أو التزامات محددة بتقديم موارد أو خدمات معينة مقابل استمرار الشراكة الأمنية . على الصعيد الدبلوماسي، فإن زيارة ترامب المحتملة أو تطبيق سياساته تجاه العراق قد تفتح ملفات جديدة، وقد يدفع باتجاه تفاهمات واتفاقيات تُرسّخ النفوذ الأمريكي، مما قد يشكل تحدياً كبيراً للعراق في الحفاظ على استقلال قراراته . يبقى العراق في حالة ترقب لما يمكن أن تحمله عودة ترامب المحتملة للرئاسة من تداعيات. وبينما يسعى العراق إلى الحفاظ على مصالحه الوطنية وتعزيز سيادته، يواجه تحديات جسيمة في إدارة ملف العلاقات مع إدارة ترامب التي تنظر للعلاقات الدولية من منظور الربح والخسارة. إن التعامل مع هذا الوضع يتطلب من الحكومة العراقية نهجاً دبلوماسياً متوازناً يلبي احتياجات البلاد ويحقق استقراراً داخلياً، مع ضمان علاقة إيجابية مع الولايات المتحدة دون المساس بالسيادة .