مما لا شك فيه أن الذكاء الاصطناعي بات الشغل الشاغل للعالم أجمع، حكومات و شعوبًا و أفرادا. فمع ازدياد قدراته الخارقة على إحداث ثورة شاملة في مختلف جوانب الحياة من الطب الى الهندسة الى الزراعة و الصناعة و الفلاحة مرورا بالصحافة و الفن و عالم الأعمال و فرص التدريس و التدريب.. و مع تنامي هذه القدرات تزداد لدى الجميع مخاوف حقيقية من استخداماته و تطوراته و تمدداته غير القابلة للقياس أو التوقع.
سنحاول الغوص في هذا الموضوع، متناولين إياه من منظور نقدي شامل، بعيدًا عن التبسيط المفضي الى الابتذال أو المبالغة في الوصف..
دخل العالم فعليًا مرحلة جديدة عنوانها التسابق في حلبة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. ويُعدّ هذا المجال ساحة صراع مفتوحة بين الدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية و العملاق الصيني، و لا حاجة بنا أن نذكر أن هذين الماردين يضخان لوحدهما استثمارات هائلة تقدر سنويا بملايير الدولارات في سبيل تطوير تقنياته المتقدمة. ولعلّ هذا السباق الجنوني الغير المتوقعة أبعاده و حدوده و نتائجه يعكس حجم الرهانات الضخمة المعقودة على الذكاء الاصطناعي، باعتباره مفتاحًا سحريا لقيادة الثورة الصناعية الخامسة. فمن خلاله، يمكن إعادة تشكيل مختلف القطاعات، من الطباعة ثلاثية الأبعاد والرعاية الصحية إلى التعليم والنقل والتصنيع..
و مع كل هذا الترقب لفورة جنون الذكاء الاصطناعي المصطبغة بآمال الازدهار و دخول عصر جديد للبشرية تطفو على السطح مخاوف جمة. فبينما يُمكن لهذه التقنية الناشئة أن تُحسّن نوعية حياتنا بشكل كبير، إلا أنها قد تُشكل في الوقت نفسه تهديدات خطيرة على مستقبل البشرية. و هكذا يُتوقع أن يفقد ثمانمائة مليون شخص وظائفهم في أفق الأعوام القليلة القادمة بسبب هيمنة الربوتات و الأتمتة المتنامية للمهام ما قد يُؤدي لا محالة إلى تفاقم البطالة والفقر.
من جهة ثانية قد يُستخدم الذكاء الاصطناعي لأغراض سياسية و حربية ( و هذا الاستخدام قد بدأ بالفعل) مثل التحكم في الرأي العام والتلاعب بالسلوكيات، أو حتى لأغراض عسكرية. و لا يجب أن ننسى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تثير تساؤلات أخلاقية عميقة حول استخدامها، سواء تعلق الأمر بقضايا الخصوصية أو حماية المعطيات الشخصية أو الملكية الفكرية أو تحيز الخوارزميات دون اغفال المسؤولية عن أفعال الذكاء الاصطناعي.