الْمَعْلْم والصَّانِعُ التَّقليديُّ السيد
محمد أَمْضْلُوسْ الأزياري التنكرتي التناني
كَمَا هو معلوم فقد نبغَ فِي رُبوع بلدة “إدَاوتَنان” صُنَّاعٌ تَقليديُّون مَهَرَةٌ، تزخرُ بهمْ المنطقةُ وخاصة في الماضي، يَنْشطونَ ويُبْدِعُون في صناعاتٍ تقليديةٍ مُختلفةٍ، وَبهَا استطاعوا أن ترَكُوا بَصَمَاتهمْ على سِجِلِّ تَاريخِ وثَقافةِ وتُراث المنطقة، حَتـَّى تركوا تُراثا وأعمالا تدلُّ على مكانتهم وعلى ثقاتهم وتفوقهم في شتى المجالات.
وَعليهم كانَ السكانُ ـ إلى وقت قريب ـ يَعتمدونَ في كُلِّ ما يَحتاجونَه في فلاحتِهم وفِي حياتهم اليومية، من أدواتِ الْـمَنزلِ المختلفة، ومن آلاتِ وَأَجهزةِ الـحرث، والحصاد، والدِّراس، وعَصْرِ الزيتونِ وتصفيتِه، وأدواتِ النسيج وغيرها، ومنهم من يَنشط حتى في التداوي وإصلاح الأعطاب وجبر الكسور وعلاج الجروح، ووصف الأعشاب للتداوي بها وغير ذلك.
فمنْ واجب الباحثين والمهتمين الْيومَ أن يُعَرِّفوا بهمْ، وَيُوثقوا حياتهم وأعمالهم الفنية ويُزيلوا عَنهمْ وعَن إبداعِاتهمْ غُبار النِّسيانِ وسِتارَ الغفلةِ والْـجَهلِ، فبالتعريفِ بِهمْ وبِصِنَاعَتهمْ نُطْلِعُ أجيالنا القادمة وَشَبَابنَا الْمُعاصِرينَ على صَفحاتٍ مُضِيئةٍ من تَاريخ هؤلاء الصناع المهرة، الذين اسْتَطاعوا بِما لديْهم من إمكانياتٍ بَسيطةٍ أن يُحققوا المعجزاتِ، وأن يَتكيَّفوا مع الوضع، ويَعيشُوا مع أسَرهمْ وجيرانهم ومجتمعاتهم عِيشَةً سعيدة مكَّنتهم رغم الطروف القاهرة من توفير كل المستلزمات وكل ما يحتاجونه من الأليات والأدوات المختلفة التي تتوقف عليها معيشتهم وحياتهم.
ومن أبرزِ هؤلاءِ وأشهرِهم في هذا العصر: هذا الرجل الذي في الصورة أعلاه، وقد توفي في “إكَيس” البارحة أي في يوم الأربعاء 15 غشت 2024م، وهو السيد محمد بن محمد بن الحاج علي أمضلوس التناني الإدريسي، المزداد حوالي سنة 1930 بدوار “تزروالين” قرب “إكيس” بأزيار(1)
وقد عرف رحمه الله بالمنطقة ولدى الجميع بـ “المعلم محمد أمضلوس” وكان إلى يوم وفاته يَقطن بدوار “إِكِيسْ” بتراب جماعة “أزيار” قيادة إيموزار إداوتنان، يُذكر بكلِّ خير بين أهله ومن يعرفه، ويكفيه أن وُصف من قِبل عارفيه بأنه كانَ في حياته من أطيبِ خلق الله، يُقدم العون للناس، ويساعدهم في حل المشكلات، لأنه كان بارعاً ومتقناً لكثير من الأعمال اليدوية، التي يُسهم بها في نشر الخير ونفع العباد، بل كان فنانًا مبدعًا، وصانعًا تقليديا، يُبدع في كثير من الصناعات التقليدية اليدوية. وقد عُرف ـ كما أسلفت ـ بكون صَانعا تَقليديّا مَاهرا، يَتوقدُ. فِي تَخَصُّصِهِ ـ ذكَاءً وَفِطْنةً ومَهَارَةً، يحسن بالخصوص الصياغةَ والنجارة معتمداً على أدواته البسيطة وعلى يده الماهرة ومجهوده الفردي.
وكان ـ حسبَ ما أخبرني به من يعرفه عن كثب، واطلع على ما ظهر وخفي من أعماله ومنجزاته، بحكم القرابة والمجاورة، وهو ابن أخته الأستاذ الحقوقي: السيد إبراهيم الشاهد الذي قدم لي البارحة معلومات مفيدة عن هذا الرجل، وأخبرني أنه خاله وشقيق والدته، وأنه كان بارعًا وفنانا عصاميا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يتقن فن النحت على الخشب وخاصة صنعة العرعار، ويتميز بموهبته الفريدة وإبداعه في العديد من الأعمال اليدوية، حيث كان يجسد التراث الثقافي في كل قطعة يخلقها، وأن إبداعه وشغفه بالفنون سيظل حاضراً في ذاكرتهم، وسنذكرونه دائمًا بكل فخر واحترام.
وأضاف: أن خاله هذا كان يبدع في صياغة المجوهرات كالفضة، كما كان يُصلح جميع أنواع الساعات والمنبهات (الفياقات) ويصلح أجهزة المذياع “الرديوات” وأيضا يعالج بعض المرضى فيزيل الأسنان المعطوبة والمريضة للمرضى بطريقته الخاصة، ويصلح الأواني والآلات المكسورة على اخلاف أنواعها، فيعيد لها الحياة، وله متجر في سوق “تدرارت” يزاول فيها بعض هذه الحرف.
ناهيك عن كونه من أبرز صُناع الآلات الفلاحية اليدوية في المنطقة، كالمحاريث الخشبية، وما يتعلق بها من أدوات الحرث والحفر، وقد قدم الكثير من الخِدمات على مدار سنوات عمره للساكنة، ولكل زائر أو عابر سبيل يحتاج ليدِ صانع ماهر، وبذلك ترك ـ رحمه الله ـ بصمات واضحةً على صفحات تاريخ الفنون التقليدية بـمنطقة “إداوتنان” يستحق بها التنويه والدعاء، وأن تخلدَ مع اسمه في سجل المبدعين والصناع التقليدين بالمنطقة.
هَذه نبذةٌ يسيرةٌ منْ أخبار وَصَنعةِ هذا الصَّانعِ كما أخذتها من مصدرها المقرب المذكور، فدونتها ـ على نَزرها وقلتها ـ ووضعها بين أيدي القراء والمهتمين، مُشِيراً ـ مرة أخرى ـ إلى أن من واجب الباحثين والمهتمين والمثقفين عموما أن يَتَعرَّفوا على أمثال هؤلاء ويعرِّفوا بهم وبمنجزاتهم وأعمالهم، لأنهم كما رأينا قدَّموا بصناعاتهم ومِهنهم التَّقليديةَ خِدْاماتٍ جُلَّى لإخوانهم وجيرانهم ومَناطقهمْ، وكانوا بذلك عَوناً وسَنداً للعباد، يَـحُلُّون المشكلاتِ، ويُسهِمون في الإنتاج، ونفع النَّاسِ، وبالجملة: ترَكُوا آثارَهم تدل عليهم وعلى عظمتهم، فغَادروا الدنيا ولسانُ حالهم يقول:
تِلْكَ آثَارنَا تَدُلُّ عَلَيْنَا | فَانْظُرُوا بَعْدَنَا إِلَى الآثَاِر |
فرحمهُ اللهُ برحمته الواسعة ـ الفقيد السيد محمد أَمْضْلُوسْ ” رحمةً واسعةَ جزاءَ ما قام به من منْ عَملٍ متقونٍ ومشكور.
مـحند بن علي إيهوم التناني التمروتي، يومه الجمعة: 16 غشت 2024 م
الهوامش:
(1) ـ هو السيد محمد بن محمد بن الحاج علي بن الحاج محند بن مبارك بن الحسن واحمان الملقب بالحاج همو أمضلوس الادريسي الإكيسي نسبة إلى دوار إكيس إداو مطاط التنكرتي جماعة أزيار قيادة إيموزار عمالة أكادير إداوتنان
اسم أمه: زهرة بنت محمد بن الحاج محند بن مبارك بن الحسن واحمان الملقب بالحاج همو أمضلوس المزداد سنة 1930 بدوار تزروالين التي لاتبعد عن دوار إكيس إلا ب 5 كيلومترات فقط